أبناء تحت وصاية الآباء

الوحدة : 7-4-2020

هذه الحياة مسرح طلق يحمل كل يوم بساعاته وأحداثه وأشخاصه ما يوسوس في الخاطر ويقلق البال، ونحن نعيش الكورونا مع انفتاح تام على العالم الخارجي بما يفرزه من حضارة وحتى أخطار ودمار وصل حده للانتحار، وباتت تربية الأولاد في صعوبة وتعقيد بالرغم من أنهم الأغنى والأكثر تطوراً تعلماً وذكاء، لكن كل مستجد وتقدم للتكنولوجيا وعلم الجينات أسهمت في زيادة الفجوة بين الآباء والأبناء، ولم يعد يرضى الابن أو يرغب من والده التدخل في خصوصياته ومستقبله، ويعد ذلك تدخلاً سافراً واختراقاً أمنياً لحرم شخصيته، وتلصصاً على تحركاته وتصرفاته، حيث تحول الأب بدوره من مربي إلى شرطي ورقيب، يفتش عند الدخول كما عند الخروج، يأمر ويدير عجلة ركب بيته كما يظن أن في ذلك حسن الأمر وخير القرار، ويؤكد أن من حقه أن يفتش عما يثير الخوف ويزعج ساكني هذه الدار، إذ يخشى رفاق السوء وتدهور القيم والأخلاق عند مراهق يكافح ويناضل لخلق هويته وشخصيته التي تشعره بالنضوج والاستقلال، ويرفض عدد كبير من الشباب ذاك التدخل والهجوم وكأنه استعمار، فذلك يعكس عدم الثقة وضعف واستهتار، والحرمان من حق شاب في الحرية والانطلاق، فهل من حقهم عليه التدخل في شأنه كأنهم حراس؟

أوس في الرابعة عشر من العمر قال: أكره حياتي من تدخل والدي فيها، أحبه لكني لا أحب فيه تدخله في أموري كلها، وأقدر خوفه واهتمامه بي وحرصه على تأمين جميع طلباتي، لكنه لا يفهم كل تصرفاتي وسبب شجاري معه ولا ينتبه أن جيلي غير جيله وزمانه غير زماني، أشعر بأني أعيش بشخصيتين مختلفتين: واحدة يملؤها الخوف والاستسلام (حاضر أبي) في المنزل وخارجه يتملكني الانفتاح والانفراج ولما أكون بين يديه يكون الكذب حليفي والنفاق لأرضيه وأقصر الشر بيننا وأبعد الخناق والعصبية عنه .فأنا أخاف عليه من الجلطة في أكثر الأحيان لما أراه قد احمرت عيناه.

سوسن طالبة جامعية، أما وقد كانت قد حققت حلمهما ودخلت كلية الطب التي أراداها لها وهي المتفوقة دائماً، كان من الحق لها أن يتركا لها الساحة واسعة لفعل ما تريده ولن تخيب أملهما، لكنهما يصران على التدخل في كل شؤونها كطفلة صغيرة ويمعنان في إيذائها حتى أمام رفيقاتها، فهي وحيدتهما وليس لهما شغل غيرها، وتتساءل لماذا لا يتركانها تعيش تحت وصاية نفسها؟ وترى رقعة بيتهم ضيقة بكل أرجائها لما بدأ الحظر والركون في البيت فلم يعد عندها متنفس غير النت، وحتى هذا يلاحقانها عليه ولا يتركانها لوحدها ساعة أو ساعتين، لكي لا تحس بالوحدة والوحشة ولا من صديقة تؤنسها وتكسر حاجز خجلها، فهما يتبعانها كظلها وتشعر بالضجر منهما، ولا يملان من العمل على راحتها وتلبية كل طلباتها ورغباتها حتى في آخر الوقت ومن أبعد مكان، لقد سئمت كل هذا الاهتمام، ولا ترغب بكل هذا التدليل والغنج فهي لم تعد صغيرة.

هلا  طالبة جامعية: تؤكد أنها لا تحب تدخل الآخرين في خصوصياتها ولا سيما والدتها، وتتساءل : لماذا أمها تتدخل في كل شاردة وواردة في حياتها، وكل صغيرة وكبيرة في تصرفاتها ؟ فالتدخل في كل تلك التفاصيل يدفعها لتكون متمردة وغاضبة أكثر الأحيان، ويحول حياتها إلى جحيم، من الجميل أن تراها مطمئنة هانئة البال فهي راشدة وبالغة لتقدر عواقب الأمور، وبأنها أهل ثقة فليطمئن قلبها وتعيش بسلام، فهي لن تضيع أبداً تعبها وتربيتها لها وكل ما غرسته فيها من آمال .

علاء شاب في السابعة عشرة من عمره، أشار بأنه لا يرضى بسجنه هذه الأيام وغيرها مما كان قبلها من رقابة وتشديد في حال خروجه من البيت وقال: من حق الشاب رؤية العالم بعيونه وليس بعيون الآخرين وحتى لو كانا أبويه، وعليهما أن يدركا أن القاعدة الصلبة الراسخة في أذهانهم والتي تأتي ضمن إطار الأخلاق والقيم قد انحسر وقل ولم يبق عندي منه رصيد وكل منا رقيب نفسه، ولكني اليوم أتمثل لأمرهما إذ أخاف عليهم هذا الوباء فخروجي لملاقاة الرفاق عند زاوية الشارع قد يعرضني للفيروس ولهذا أنا اليوم أقر وأعترف بأني تحت وصايتهما وبكل قواي.

أم نور مهندسة تكره رقابة أبنائها فهي لطالما قد تعرضت لهذا الأم، وأكدت بأنها لا يمكن أن تعبث بمشاعر أولادها أو تسيء لشخوصهم، وتستضعف قدراتهم وتستخف بآرائهم، بل هم أصدقاء لها ويسرون لها بكل شيء بكل جرأة واحترام حتى أنهم يأخذون برأيها دون إجبار، فصغيرتها في ١٤ من عمرها ولا ترضى لوالدها أن يفتش موبايلها ويقرأ رسائلها فد يحول بفعله حياتها إلى جحيم، ولا تتلصص على مكالماتها أو تنحشر بينها وبين رفيقاتها وكذلك الأمر مع ابنها لا تفتش حقيبته أو تحاول الوقوف على عتبة بريده الكتروني  له الحرية في حدود وضمن أسوار الصراحة والمبادرة بالقول والبوح.

عبد الرحمن أب لولدين، يصر على حقه في رقابتهما حتى يصلان لسن ١٨ويرفض أن يقال عن رقابته أنها تدخل في خصوصيتهما أو تجسس، والرقابة موجبة لكن شرط أن تعتمد على اٌلإقناع لا الإكراه، فالعنف وأساليب الضغط كانت أيام زمان، وما له غير أن يبتدع الحيل والأساليب ليصل إلى ابنه ويرضيه، وإلا فالثمن سيدفعه غالياً، وقد يخسر أحدهما خاصة بعد أن سمع بألعاب الانتحار، فهو يخاف ويشعر بالخوف.

يؤكد سومر بدور علم اجتماع أن مراقبة الآباء للأبناء مطلوبة وتحت القسر والإجبار في أيام الكورونا هذه، وحتى في الأيام السابقة وحتى الآتية وفي ظل التغيرات والفتن الصعبة الموجودة في هذا الزمان ولكن باحترام خصوصية الأبناء وإعطاء المفتاح الحقيقي للعلاقة السليمة وهو الثقة المتبادلة بين الطرفين، حيث أن ثقة الأهل تزرع في الأبناء المسؤولية وعدم الاتكالية وأنه يحتم على الأهل التدخل في خصوصية الأبناء إذا كان هناك حالة خلل أو ضرر كبير قد يقع على الأبناء لحمايتهم من الوقوع فريسة لمن يضللهم في المجتمع، لذا نحن بحاجة لاجتماع يومي بين الآباء والأبناء للنقاش في أمورهم بشكل ودي ومنطقي يملأه الحنان وبالتالي معرفة أخبارهم وأسرارهم ومشاكلهم وأخلاقيته خارج المنزل لكن كثيراً من الآباء لا يوفرون فرصاً لهم للحديث وإنما هؤلاء الأبناء يسمعون الكلام على مدار الساعات، تتضمن أوامر وتصاريح بالجلوس بالبيت وقد يكون آخرها الضرب عند الوصول بأمره لطريق مسدود، رغم أن الحل بسيط (إن كبر ابنك خاويه) أو لتكن صديقه.

هدى سلوم – معينة جرعة

 

تصفح المزيد..
آخر الأخبار