الخوف من المواجهة

الوحدة : 7-4-2020

قد تنتاب الإنسان مشاعر طاغية على حين غرة عندما يجد نفسه فجأة إزاء موقف طارئ بمعنى القلق تجاه حقيقة القدرات الذاتية كأن يرتبك أحدنا وهو يهم بالتعبير عن آرائه أمام جمع من الناس أو حين يقف أمام رجل قانون يستجوبه عن مخالفة مرورية.

وهذا النوع من القلق معروف وشائع تماماً عند الطلاب خلال أداء الامتحانات ويكون أكثر حدة في أثناء الامتحان الشفوي أو المقابلة الشخصية وعادة ما يترافق هذا الشعور الطاغي بالخوف والارتباك مع مظاهر جسدية مثل الارتجاف وتسارع نبضات القلب وازدياد إفراز العرق وخصوصاً من اليدين والقدمين غير أن أقوى مظاهر هذه الحال يأتي من الأغراض الناجمة عن الشد العصبي والتركيز الذهني حيث تتمحور كل مشاعر الشخص حول نقطة واحدة وهمية هي لحظة الخوف من شيء لا وجود له على أرض الواقع بل أن أقسى ما في هذه اللحظة هي إدراك الشخص أن هذا الخوف لا مبرر له، ولكنه يشعر بعجز تام تجاه تدفقه وسيطرته على نفسه ويؤكد علماء النفس أنه ما من شخص لم يمر في أثناء مرحلة من مراحل حياته بمثل هذه المشاعر خلال مواقف متعددة غير أن الناس يختلفون كأفراد في ردود أفعالهم تجاه هذه المشاعر إذ يجد بعضهم أن الخوف يتبخر فجأة حال عبور الشخص إلى الفعل الذي يحاول الخوف أن يعيقه كأن يصمم الطالب على الإجابة عن أصعب سؤال في ورقة الأسئلة أو أن يسيطر خطيب على ارتباكه ويمضي في خطبته ليجد نفسه وقد أتقن فنون الفصاحة ولعل حقيقة مثل هذا النجاح تأتي من طبيعة الخوف ذاتها لأنها طبيعة تتصف بالتوقعية غير أن بعض الناس الذين يعانون من هذه الإعاقة النفسية يظلون عرضة لمشاعر العجز عن تجاوز الخوف على الرغم من إدراكهم لتفاهتها وهنا يتحول الخوف من إعاقة عابرة يمكن تجاوزها بسهولة إلى حال مرضية يمكن علاجها بطريقة أبسط مما يتصور المصاب بها ويتعلق الأمر هنا ببرنامج علاج سلوكي أدركه الإنسان منذ زمن بعيد  صحيح أن العلامات المرضية في مثل هذا الخوف يمكن ان تستمر طوال الفترة التي تلازم الفعل المثير للخوف مثل ساعات الامتحان أو المقابلة إلا أن ازدياد شدتها كلما اقترب الفعل من نهايته.

ويبدو أن للمورثات دوراً كبيراً في صياغة المعمار النفسي كي يصبح في فترة ما من فترات تطور الشخصية مسيطراً على حياة الشخص وهناك أسباب نفسية تعود جذورها إلى  أخطاء تربوية كأن يتعرض طفل في السنوات الأولى على مقاعد الدراسة إلى الاستهزاء من زملائه بعد أن يجبره المعلم على الحديث من دون أن يكون على استعداد تام.

كما أن الاحتفاظ بصورة مشوهة عن الذات واعتماد اسلوب التقريع الذاتي للنفس يجعل من هذه الحال شديدة الوطأة وعندما يتعرض الشخص لفشل خطير في حياته العملية فإن ذلك يترك آثاراً في الاستعداد النفسي لاقتحام الصعاب لكن علماء النفس يؤكدون اختلاف بني البشر في ميدان تأثير هذه العوامل مفردة أو مجتمعة وهذا يعني أن هناك أشكالاً متعددة من هذا الخوف، فالفئة الأولى يضطر المصابون بها إلى محاولة لعب دور لا يتفق مع شخصياتهم على أمل تجاوز مرحلة الخوف في أثناء أدائهم لفعل معين لكنه يوفر لهم أسلوباً لكبت القلق الناشئ عنه كأن يتقمص شاب في مقتبل العمر دور(دونجوان) للتقرب من حبيبته أما الفئة الثانية فهي التي يركن أصحابها إلى ممارسة أدوار بعيدة كل البعد عن المواقف التي تثير الخوف مثل امتناع أحدهم عن مطالبة مرؤوسيه بأي حق له عليهم خوفاً من المواجهة ويعمل على لعب دور الحمل الوديع .وهناك فئة ثالثة لا يستقر أصحابها على موقف معين إذ أن أمواج القلق تكون لديهم بين مد وجزر ويمتلك الطب النفسي أساليب عديدة لمعالجة كل واحدة من هذه الحالات على حدى  بيد أن كل هذه الأساليب تقع تحت مسمى واحد وهو العلاج السلوكي ذو المراحل الأربع.

يتم في المرحلة الأولى تحديد الحالة حيث يقوم المحلل بخلق تيار وعي كاشف لدى مريضه خلال عشر جلسات إلى خمس عشرة جلسة وذلك يحفزه على استرجاع ذكرياته حول المواقف الصعبة وأفضل أساليب تجاوز بعضها يتم في المرحلة الثانية اختيار الأدوات التي تساعد في التغلب على المشكلة كأن يشكل المحلل مجموعة من المرضى للوصول إلى فريق عمل بحيث يمكن لأي واحد منهم أداء أفعال كانت تثير خوفه سابقاً إضافة إلى تمرينات الاسترخاء في أثناء الأداء وقبله وبعده إلى جانب تمرينات أخرى للسيطرة على التنفس والارتباك تدعى الحالة الثالثة إعادة البناء السلوكي عن طريق تفكيك المشاعر التي سبق وانتابت الشخص المعني في مواقف صعبة عليه ومن ثم إعادة الوعي تجاهها واستيعابها ودفع الشخص إلى اختلاق مواقف مشابهة والتعامل معها تحت إشراف المعالج..

ترتكز المرحلة  الأخيرة على تمرين ذهني للشخص المعني لإكسابه القدرة على المواجهة تماماً مثلما يفعل الأطباء مع الذين يعانون من حساسية مفرطة إزاء بعض المواد والمراد هنا جعل الشخص أقل حساسية تجاه المواقف التي تسبب الحرج له.

لمي معروف

 

تصفح المزيد..
آخر الأخبار