قيل وقال

الوحدة:6-4-2020

(قيل وقال) تجتاحنا في بيوتنا وإن كنا في أماكن أعمالنا وبين جنبات حياتنا والحي والجيران نقع في براثن شر القيل والقال الذي يأتي على شر البلية وفتح أبواب المشاكل والمواجهة والصراع، وها نحن في بيوتنا وفي وقت الاسترخاء ومع غياب الوقت وانتهاء المهام والمسؤوليات نسمع ونستبصر ما يتكهن به البعض ويرمي بقوله في ساحات التواصل الاجتماعي الافتراضي وعلى مساحات الوقت ومسافات اليوم ليلاً ونهاراً التي تتفوق على قرينتها في الواقع الذي نراه خارجاً خلف النوافذ وزجاج الشبابيك، الكل ينشر الأخبار بتكهنات وتفشيات بلا مشاعر ولا أحاسيس، بابتداع وتشارك وقص ولصق الشائعات وحتى أكاذيب كادت أن تنسينا كورونا وغيرها، إنه سيناريو  يجتاح بيوتنا بفيروس المعلومات منها المغلوطة و الناقلة للخوف والهلع فتكون فينا بالإيجاب.

 نتحدث عن مساوئ النت في أيدي صغارنا ورغم قولنا ندفعه لهم دون حرج أو سؤال ليكفوا عنا غلاظتهم وينفضوا من حولنا ونحن عالقون في البيت ترانا قد علقنا أولادنا في ساحات التواصل والتشبيك مع الآخرين فماذا فيها اليوم؟

× أم عفراء، موظفة وتجلس في البيت اليوم كغيرها من الموظفات تقول: ابنتي في العاشرة من العمر ورغماً عني أقدم لها الموبايل بكل ود، حتى ألهيها لأقوم بأعمالي المنزلية وواجباتي التي كثرت واستكثرت بجلوسنا الطويل، كما أن ولدي الصغير كان والده أيضاً قد أعطاه الموبايل الذي يخصه ليبعده عن التلفاز وليتابع الأخبار، وكلنا مشغول ولا نعلم ماذا يفعل الولدان، حتى أني تفاجأت بأنهما يبعثان برسائل وصور لكل الأصدقاء بعد أن أتتني ابنتي وهي تنادي بأن ابن الجيران قد رأته على الشاشة وهو يحذر من الخروج من البيت لكن والدته تسألها وتستجوبها عما نفعل وكيف نخوض اليوم، وتلك الطفلة البريئة تسرد لها كل ما في بطنها من أحاديث وأفعال دون ملل بما يثلج قلب الجارة ويغذي قريحتها لبث الأخبار بنشرات، هذا عداك عما حفظته صغيرتي من تصاريح وصور تبعث في القلق والخوف وأحياناً أخرى الضحك.

× أم يزن تؤكد أنها ما زالت تقوم بزياراتها الافتراضية لجاراتها وتسمع بأخبار الصديقات فهي على تواصل وتشابك معهن على الواتس بعد أن أضفنها على المجموعة التي أغلقت على نفسها أبوابها فلا يعلم بها الغير، لكن فتاها ذا التاسعة من العمر يفتح عليهن باب الحديث ويأخذ عنها  الكلام دون علمهن بالأمر في بعض الأحيان، ولما تخطفه من يديه يكون (الضرب ضرب والهرب هرب) وقد علت قهقهاتن حتى كادت تسمعها من بعيد، فتنظر ما جاء في الرسائل لتجد فيها بعض الكلام الذي يعري صاحبته ولا تستحي بالإضافة إلى بعض الأقاويل وتقول: ثرثرة تحاك عن إحداهن وأنا أرفض الأمر بشدة وفي كل مرة أحظر المجموعة أو أبعدها ولا أشارك بجلساتهن الصباحية أو المسائية فإنهن يقتحمن علي بيتي وعائلتي  بيدي ابني الذي أعاد لهن فتح الباب.

× السيد عمار أشار بأنه مشغول بداية النهار بالبيع لزبائن المحل لكن ابنه الصغير يخبره بكل التفاصيل التي وردت على شاشة الفيس عن كورونا وغصت بتحذيرات الخبراء والأطباء والمتعمقين بالطرح والسؤال فيقول: تكون لنا منهم خدمات مجانية عن سبل الوقاية والعلاج، وقد زودنا غيرهم ببعض الوصفات والتسليات والفكاهات وغيرها من التوصيات والوصفات المجربة لقتل الوقت بما يفيد وينفع، لكني أخاف على ابني فقد ينجر خلفهم بالأقاويل فليس كل ما يجري على ساحات التواصل الاجتماعي جيداً ومفيداً ومعظمها قيل وقال كما لو كنت وسط جمعة من الناس الكل يدلي بدلوه بلا عرف وما أكثر التنظير والتبهير ليكون كموج يحمل الزبد والمحار.

× الأستاذ جابر أكد أن أولاده الثلاث يتشاجرون على الموبايلات من سيمسكها أولاً، ويبث ما جاء فيها من أخبار ولديهم شبكة واسعة من الأصدقاء من جميع أنحاء سورية وأرفض أن يتجاوزوا حدودها، كنا نقول أن تلك الدردشات هي مضيعة للوقت ولكني اليوم وجدت الوقت لأعلمهم ألعاباً الكترونية علمية تحفزهم على التفكير وإعمال العقل والتركيز في المشكلات وإيجاد الحلول، بعد أن فشلنا في محاولاتنا لإلزامهم بقراءة الكتب والاطلاع أو إلزامهم ببعض الواجبات من تنظيف وترتيب ولم يعد بوسعنا أن نصابرهم على الجلوس في البيت بغير الوقوع بشرك النت، حتى أصاب صغيرتي القلق والهوس من كورونا لتسألني كل حين (رأسي يؤلمني، أنا ما عم أقدر أتنفس منيح، شكلي مكربة ..) طوال الوقت تسأل حتى وصلت بقولها  (ورمت يدي، طالعتلي حبة ببطني، ..) إن ذلك يهلكني وأنا أحاول طمأنتها بأن وضعها عادي ولن يصيبها مرض ما دامت بالبيت.

هدى سلوم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار