الأمراض النفسية قد تداهم أي شخص

الوحدة:3-4-2020

لاينجو أي إنسان مهما بلغت ثقته بنفسه من تأثير ما يعرف بالنفس اللوامة التي تمتاز بالتقريع وانتقاد الذات.

إنها ذلك الصوت الداخلي أو المجس النفسي الذي يحول بين المرء وهواه وهي تجسيد أعلى لما يعرف بالإحساس المنعكس على ذاته أو رد الفعل إزاء أفعال النفس وهي عنصر داخلي قد يقوى أو يضعف بحسب درجة التوافق بين تحقيق الأهواء والاتجاه العقلاني في تسيير الأمور وهي إن قويت واشتد تأثيرها واتصفت بقدرة عالية على التحليل المنطقي سميت بالمسيطرة التي إن تثبتت أركانها بإنجازات متوالية أصبحت مصدر ثقة بالنفس وصلابة في مواجهة جور ظروف الحياة المتقلبة أن غياب النفس اللوامة أو الناقدة أمر مستبعد تماماً من استراتيجية العقل عند الإنسان وهي على درجات في شدتها تتراوح بين الإرشاد ومشورة النفس لنفسها أو مايعرف بالتفكير والتدبير والمكر وقد يصل حد تقريع الذات بعنف شديد قد لا يفلت من دائرة الأمراض المستعصية التي تجتاح معمار النفس وتضعفها أو قد تدمرها عبر فعل من الأفعال كالانتحار ومن أجل أن يحقق الإنسان النجاحات في مسيرة حياته فإن أول شرط نفسي يجب توافره قبل الشروع في العمل أو في أثناء إنجاز البرامج الطموحة أن يتمتع الإنسان بأعلى قدر ممكن من احترام الذات وتقييم قدراتها إذإن هذه الخاصية لا تولد مع المرء ولكنها موضوع بناء متدرج وتثقيف متواصل يحصل للإنسان حتى قبل وعيه لا بل ومنذ أولى بوادر اتصاله وعلاقاته مع المحيط الذي يقع خارج جسده مع الأم والأب ومحيط البيت ثم يبدأ الجهد للحصول على الثقة بالنفس من خلال ضبط الحركة العضلية حتى قبل بلوغ مرحلة المشي من المشي ذاته والتعثر والسقوط ثم النهوض وتعلم اللغة ود أفراد العائلة وبعد ذلك الأقران ثم النجاحات في فهم الأشياء والتعامل مع المشكلات في أثناء اللعب من في المدرسة. وإذا وصل الفتية أعتاب مرحلة المراهقة وجدوا أنفسهم إزاء مهمة البحث عن الذات باهتمام شديد وعصبية وحساسية مفرطة غير أن مشقة البحث عن الذات لا يمكن أن تتوقف عقب تجاوز مرحلة المراهقة وإن خفت حدتها إلى حد ما ذلك أن الإنسان وبطبعه معني دوماً بتحقيق برامج تفوق ما تملكه نفسه وهو يتطلع إلى الغد وإلى آفاق لم يطأها بعد ولهذا فإن الارتقاء في هذا السلم أو الحلم بارتقائه لا يمكن أن يتوقف ما دام في الإنسان عرق ينبض.

إن جميع مشروعات الإنسان لا بل وأبسط تحرك أو حلم من أحلامه ترتبط جميعها بقدرته على الاعتماد على ذاته وثقته في إمكاناته الشخصية فهذه الثقة هي المفتاح الذي يخرج الإنسان من كهف التقوقع على الذات إلى رحابة العمل والاجتهاد والمنافسة وبناء على ذلك فإن أي خلل في الثقة بالذات يؤدي عند الشروع في أي عمل بالخوف أو التردد أو تحميل الأشياء أكثر مما تحتمل لأن اهتزاز ثقة الإنسان بذاته يؤدي أولاً وقبل كل شيء إلى قراءة خاطئة لخريطة الأشياء وهذا ناجم عن خطأ في موازين القيم التي يكّونها المرء عن سياقات الحياة أمامه ما يدفع إلى الشعور بعدم أهليته للمشروعات الكبرى عند تراكم الإخفاقات، ومن هنا يأتي الانكفاء على النفس أو التقوقع حول مهنة لا تحقق الطموح المبكر الذي رسمه لنفسه قبل عدة سنوات ولعل من بين أهم وأسوأ نتائج اهتزاز الثقة بالذات هو ذلك الاختلال الذي يصيب علاقات الشخص مع الأخرين فهو يعتقد في بادئ الأمر وقد يكون اعتقاده غير صحيح على الإطلاق أن نظرات الأخرين تنم عن تجاهل أو عدم اقتناع به والحقيقة أن مثل هذه المشاعر لا تنتهي إلا إلى ما يعرف بالأفكار المسبقة حيث إن الآخر الذي ينظر اليً لا يستطيع أن يفك رموز ما أفكر به في أغواري ولأن تقييم الإنسان من فعل واحد يعد من أعظم ما يرتكبه الآخر بحقي فإنه ينبغي عليً استعادة المبادرة في علاقاتي مع الآخرين وإثبات ذاتي من خلال سلسلة من الأفعال المقبولة اجتماعياً كي أتجاوز ما في نفسي من أفكار مسبقة.

ولا يمكن أن ينجو كائن من اهتزاز الثقة بالنفس ولو للحظات أو لفترة من حياته فنجد الإنسان مهما تعاظم أو تظاهر بالقوة ضعيفاً يحتاج إلى الكثير من الأفعال لكي يقتنع أن بإمكانه المرور من بين زحمة الأشياء من دون خسارة كبيرة .

وقد يكون المرء ذكراً كان أم انثى ذا هيئة اجتماعية تحظى بالقبول وشكلاً حسناً لا غبار على تناسقه إلا أن صوتاً داخلياً ما يتحرك فجأة عند الشروع بأي عمل وكأنه مثبط هائل يشد الإنسان إلى الأرض ويمنعه من تحقيق الإنجاز.

لكننا يجب أن نعرف أن التروي وإن كان صفة حميدة إلا أنه قد لا يأتي في وقته الملائم دوماًكما أن المبادرة لها فوائدها مثلما قد تفيد السرعة الزائدة في التخلص من حوادث الطريق وأن الشجاعة هي أفضل وسائل الإنقاذ ولكي يمكن تحقيق موازنة ما بين التهور والتردد ومن أجل بناء الثقة بالنفس وبطريقة معقولة  يمكن اتباع مجموعة من النصائح التي اتفق عليها الكثير من الأطباء النفسيين ومنها تحديد أهداف معقولة تتوافق مع القدرات الذاتية ومع ما يطرحه الواقع المعاش من إمكانات مع الحرص على تصعيد قيمة هذه الأهداف واختيار أخرى أعلى منها كلما تحقق واحد منها، ذلك أن أكثر أسباب عدم الثقة بالنفس واهتزازها إنما يكون قد جاء من أهداف خيالية يصعب تحقيقها ويتم إدراك الفشل فيها.

وأخيراً… إن بناء شبكة من العلاقات الاجتماعية علاوة على كونه حاجة بيولوجية قبل كل شيء يشكل مصدر دعم نفسي وتعزيز لا يستهان بفوائده….

لمي معروف

تصفح المزيد..
آخر الأخبار