ضرب الأم لا يهم….

الوحدة:2-4-2020

كان الضرب لفترة ليست قليلة ممنوع من الصرف، أما اليوم وقد ازداد ضغط دمنا ونفوره لعالي قبة رأسنا فقد وجب علينا ضربهم وإيلامهم دون إنذار وبشرط إلزام وتصريف بعد توبيخ، فرغم كل الضغوط والقهر الذي نعيشه وما حررناه من ضبوط لمخالفاتهم اليومية وكنا قد أمسكنا أنفسنا عنهم بشعائر المدنية وشروط الحضارة والرقي وما ألزمنا به من ممنوعات الضرب حتى في المدارس وكنا معه على النهج ونستعر من المعلم المخالف وصنيعه من أكبر الكبائر ونستنفر لرفع دعوى وشكوى عليه، إلا أننا اليوم في أعلى وتيرة غضبنا ومقياس الضغط صفر وأنذر برجفان البدن واحتشاء عضلة القلب، فلا يكون المسكن والأدرينالين  غير بالضرب كجرعة (حبة تحت اللسان) لتخفيف سرعة  القلب وتبريده وعودة انتظام جريان الدم في شرايين تصلبت بيومياتنا، فلماذا نضربهم اليوم وبراحة ضمير؟

(ضرب الأم ما بهم) هذا ما تقوله أم سهى وليس لها قلب أن تضربهما وإن فعلت بعد أن استولى الغضب على داخلها فيكون كمساج بسيط يدغدغهما لكن تعرضهما للموقف يدفعهما للبكاء وليس الوجع من الضرب، لديها ابنتان صغيرتان لم تتجاوزا العاشرة من العمر (على روس بعضهما) تتشاجران طوال الوقت وخاصة بعد أن حظرت عليهما الخروج لتلعبا مع بنات الجيران، وامتنعت عن أخذهما للنوادي الرياضية والتعليمية وحتى الحديقة، وأصبحتا بلا شغل ولا تسلية غير الفوضى في كل شيء، وقد تصل درجة الصراع بينهما إلى درجة الصراخ والبكاء لتندفع خارجة من المطبخ لصوبهما وتبدأ بعقابهما وقد يكون الضرب لحسم الأمر بينهما، وسرعان ما تعود الأمور إلى طبيعتها لتبدأا من جديد اللعب وكأن شيئاً لم يكن.

أبو رامي أشار بأن لديه ثلاثة أولاد وطوال الوقت في تسلية ولعب على الهواتف والموبايلات، وقد يتشاجر الأخ مع أخيه أو أخته بعد أن تسمروا في البيت واجتمعوا في غرفة الجلوس، وكل منهم يتطاول على شبكة النت وإن ضعفت يطلب الواحد من الآخر توقيف الواي فاي  فلا يستجيب أو يعاندون بعضهم في أمر ما أو من موقف مر بأحدهم وأمور كثيرة أخرى، فتعلو أصواتهم والمشادات وحتى الملاسنات أمسك بنفسي لبعض الوقت لكن يستحيل أن تهدأ بينهم المشاكل وقد أقفلنا عليهم باب خروجهم لأولاد الحي وملاعبهم، فاضطر للجوء لضرب أحدهم كعقاب ولحسم الأمر بينهم وليس من العدل أن يستقوي أحدهم على الآخر، وقد ينال ضربة على الوجه وهو ما يقهره وأظن أنه أكبر عقاب أن ينال لكمة على الوجه تودي بنفسه إلى الخجل والحذر مرة أخرى أن يقوم بمثل هذا الفعل، لكنه يندفع إلى والدته ويشتكي أمري لها وهي بدورها تهب من مطرحها وتسرع إلي تلومني على ما فعلت فأنظر حولي وفي أطراف نفسي وأسألها لماذا فعلت ذلك وأنا جالس أراقب نشرات الأخبار وألاحق انتشار فيروس كورونا، وكيف وصل بي الأمر لذاك الفعل وأنا المعروف بأن أعصابي باردة ولا يحركها غير زلزال ألم بسكون البيت؟

إسماعيل، يتجاوز عمره ثلاث عشرة سنة، يشير أنه لم ينل من والديه  التأنيب أو الضرب على أي فعل قام به سابقاً إلا اليوم، فكلما شاغب أو أبدى استهجاناً لأمر أو تهجماً على أخته الشقية التي تعمل على إغاظته وسلب كل لعبه وتتدخل بكل شاردة وواردة وتشي به، تستنفر والدته وتسرع عليه بالعصا وهي تردد (العصا لمن عصا، كم مرة قلت لك أن لا تقترب من أختك الصغيرة) ويتذكر أنه كان قبل هذه الأيام لا شيء يثير سكينة والدته غير إذا ما جاء إليها يشكو من معلمته التي ضربته، حينها كانت تجن وفي اليوم التالي تسرع إلى المدرسة وتطلب من المديرة المعلمة وتتوعدهما بتقديم شكوى للتربية، ولم يكن ما يجري بينه وبين أخته ما يدعو للوم والضرب، وقد كانت قد كفت لسنوات خلت عنهم أياديهم كما أيادي معلميهم، ويتساءل لماذا اليوم تضربه والدته؟

نجلاء عيسى، مرشدة نفسية: أشارت بأن هذه الأيام عصيبة علينا جميعاً كباراً وصغاراً، فليس من السهل علينا المكوث داخل حجراتنا كل هذه الأيام والشهور، والجلوس بوازع السلوك الحسن والتهذيب والأخلاق دون حراك، وليس من ذنب على أطفالنا مما نعانيه من ضغوط الحياة وآلامها والتي تدفعنا لنكون عصبيين، ويجب أن نتذكر أن أطفالنا الحركيين والذين يتمتعون بالنشاط والفضول والرغبة بالسؤال هم أشد صحة وعافية، وما علينا لتلافي عواقب شغبهم وحركتهم الزائدة هذه الأيام والوقوع بشر ضربهم وتوبيخهم غير بتوفير بعض الأجواء لنعبدها ونرصفها ببعض الإجراءات منها: 

وضعهم في مكان مناسب للعب بعيداً عن التكسير والتلف والخطر ليكون لعبهم بشروط أمان وسلامة وأولها أن تكون أعصاب ذويه من الكبار والآباء حديد وآمنة غير متوترة أو تعاني التشنج والتشويش، ضبط النفس وتبريد الأعصاب لتخفف مما يلهب النفس ويؤجج داخلها والتخفيف عنه أيضاً فهو أيضاً بنفس قارب النجاة، من المهم أن ينظر الآباء للجوانب الإيجابية في أطفالهم وتثني عليها أمام الجميع من الحضور والمنتظرين لذاك الدليل والبرهان ففيه يستجد سلوكه الجيد، وإذا ما انتبه إليك أنك تنظرين إليه وتراقبينه وهو في قمة شغبه وتدمير ما يأتي عليه فلا تعذبيه وتضربيه بل يكفيك أن تؤنبيه وإن لم يلحظ مراقبتك له أبعدي ناظريك عنه برفق طالما أنه لا يوجد شيء بحوزته يهدد سلامته ويبعث على الخطر، وتذكري دوماً أن الضرب لا يأتي بالنتيجة التي تتوقعينها، فقد تدفعيه في معترك الأمراض النفسية الوحدة والاكتئاب والرغبة بالانتحار.

هناك أخطاء تتطلب التدخل الهادئ وأخطاء تتطلب التدخل السريع واللحظي بحزم لكن دون عنف فالضرب لا يحل الإشكال، ومن المهم التواصل معهم بكل هدوء ووضوح، فهم يعتمدون على كبارهم لفهم العالم من حولهم، فلماذا نعرضهم للضرب والخطر؟ حيث العقوبات البدنية ترفع عندهم مستويات العنف والعدوانية، وللضرب أيضاً مخلفاته على صحتهم  النفسية في مراحل متقدمة من أعمارهم مثل القلق والاكتئاب وفقدان الطمأنينة والأمل والتلعثم وفقدان الثقة بالنفس وقد يكون فيه ضعف النمو الذهني وبالتالي ضعف التحصيل العلمي وتدني مستواه الدراسي، ومع دمجها مع أصدقاء السوء ومشاهدة أفلام العنف يمكن أن يدخل في معشر تعاطي المخدرات والكحول وستكون النتائج وخيمة وتتطلب من الأهل الوقوف عندها والتفكير فليس من سبب يوجب الضرب كما له بدائل عديدة وبين أيدينا فلا خوف عليهم ولا يظلمون مثل:

عزله في غرفته لبعض الوقت، أو حرمانه من بعض الامتيازات والأشياء التي يحبها ويرغبها، بالإضافة إلى مجافاته وعدم الحديث معه إلى أجل يسمى عندك في آخر الأمر.

هدى سلوم- معينة جرعة


تصفح المزيد..
آخر الأخبار