العدد: 9299
25-2-2019
باتت النفايات تطال منا النفوس وتزكمها بروائح هواجس وهموم، حيث تقبع حاوياتها وأكوامها بالجوار من بيوتنا، إذ يقذفها البعض ودون استئذان من خلف أسوار البنايات وستائر نوافذها، ولئن أصابت المرمى انفضت حوله وتبعثرت أمام مرأى ومسمع الجميع بلا تصفيق وهتاف، لكن عند بعض الناس المهمشين والبائسين هي مصدر رزق بلا سؤال، يبحثون عن البلاستيك والكرتون، وقد ترى طفلاً وقد لطخت ثيابه الرثة برقع وبقع أوساخ، يبحث عن خبز عيش وفتات يوم بين براثن قاذورات، لكنه اليوم وقد وجد كنزة في لعبة بترت رجلها، ليحملها ويغرد كعندليب بطرب ودون أي وجع، نعم هي لأخته الصغيرة حلماً يطير له الجناحين، ويحلق بلا حمل ولا أوزار مما جمعه، والذي فيه قلة وحسرة وليس لقمة عيش.
هذا بات أمراً عادياً وصحيحاً، لكن ليس ذلك هو لأهل القرى فالأمر عندهم غريب، إما لأنهم يخافون القيل والقال وهم من ذاك الأمر بعيدون، أو لأنهم أفضل حالاً وببيوتهم وعند الأهل يسكنون والأقارب يجاورون، كما أن قراهم أكستهم بستر الحال التي لها صيت وباع في السياحة والطبيعة الساحرة البكر وليس لبيئتها ونقيها منافس ونظير، حيث أن لنفايات منازلهم عندهم ألف طريقة ووسيلة، أورثها لهم الآباء والأجداد كما قال السيد أحمد وهو من قرية سلاس والتابعة لبلدية مشقيتا:
لا يمكن أن نلوم البلدية التي تبعد عنا عشرات الكيلومترات، وليس بمقدورها إرسال سيارة القمامة التي تحتاج للوقود والمازوت وليس باستطاعتها توفيره كل حين، ونحن بأنفسنا نعالج الأمر ولا نراكمه ليتأزم ويصبح مشكلة كما عند غيرنا من البلدات المجاورة، يتابع: ليس عندنا زبالة أو نفايات، حيث يقوم أصحاب كل بيت في القرية بفرزها ومعالجة أمرها، ففضلات الطعام نطعمها للطيور والدجاج، أما قشور الخضار والفاكهة فهي (للدواب) والمحارم الورقية نستبدلها بمنديل قماش لطالما صنعته نساؤنا للرجال والأولاد، وحتى إن استخدمنا المناديل الورقية لأجل الأناقة والراحة فإنها سريعة الذوبان في الأرض وتحت أقدام الحيوانات، ولكن كانت أن أفرزت الحضارة لنا وتقيأت بالبلاستيك وأكياس النايلون التي يصعب علينا معالجتها، وكان عند بعض الجمعيات التي قصدنا منازلها بعض الأمر والشأن، حيث ابنتي (سما) تعلمت مع رفيقاتها من القرية إعادة تدويرها والاستفادة منها في بعض الإكسسوارات وصحون الضيافة وزينة الأعياد، وبهذا نكون قد سهلنا الأمر وأعفينا بلديتنا من مغبة ترحيل القمامة، ولكن يؤسفنا ما يأتي به هؤلاء الذين يزعمون السياحة، ويقصدون جبالنا ووديانا يأكلون ويشربون ويعبثون بجمال الطبيعة ويشوهون، ليخلفوا وراءهم أكياساً كبيرة من القمامة التي تكثر فيها القناني وفوارغ المشروبات والمأكولات، ويرمونها على ضفة النهر الكبير الشمالي، بلا حسيب ولا رقيب ولا ..حتى ضمير.
لكل بلدية في نواحي المحافظة وقراها حدود وحواف بعيدة بجغرافية وتضاريس سهلية وجبلية يصعب عليها توفير حق مواطنيها في ترحيل القمامة وتنظيف أماكنها ومقاصد سياحها ورواد مطاعمها وفنادقها ومقاهيها، فمعظمها يدفع الآجار لسيارة أو جرار لترحيل قمامتها والأوساخ، وما الضير في ذلك إن كان حفاظاً على البيئة المحيطة بهم التي تجلب لهم النقد ببعد نظر عين ومد لطالب الراحة والاستجمام، والسائح الذي يبغي كل موقع جمال.
رغم كل النصائح و سبل التوعية وحملات النظافة التي تقوم بها الجمعيات البيئية والأهلية ومجلس المدينة وعماله ومن يهمهم الأمر، ومنهم من وضع على توتياء دكانه تنبيهاً ورجاء بعدم وضع أكياس القمامة أمامه، إلا أن الوضع مخجل ومعيب إذ أن أحداً لا يستجيب، والرجاء بغير أهل المروءة يخيب.
هدى سلوم