خدوا أخبارهم من أطفالهم…

العدد: 9557

الأربعاء: 25 آذار 2020

 

 

بتلقائية ودون مقدمات، ولا أهلاً وسهلاً ولا حتى قبل وأحضان بابا الذي فتح له الباب، سرعان ما بثّ ما حفظه واستحوذ من مشاهدات وأخبار، دون وكالات أنباء ولا حتى قنوات، بابا، الماما اليوم تحدثت أكثر من ساعة مع رفيقها في الشغل وأخبرته أنها مستاءة ومتعبة من البيت وستلقاه غداً وتشرح له الأمر، أما وقد ركض إلى أمه وأخبرها بعودة والده مع جدته لتتمتم وترشقه ببعض العبارات (هلق وقتها.. شو جابها) وتسرع إليها لتنطق بغير ما خبأت في قلبها (أهلاً وسهلاً.. بيتك متى شئت)، وجدته ما إن تغفل عنهم والدته حتى ترمي أسئلتها المعتادة على الصغير: من زاركم، ولماذا أمك ليست في الدوام، وماذا فعلت اليوم؟ ليسرد لها كل ما في (بطنه) باسترسال، من شرائها حاجات ولباس صرفت عليه عشرات الآلاف وصولاً(شو جابك اليوم) فيتطاير الشرر من عينيها لتقول: الله يساعد (هالرجال)، ويعود لوالديه في غرفة نومهما ليخبرهما بأن أخاه يدخن ويتسكع مع رفاقه في الحارة أما أخته الكبيرة فقد انسلت من الباب وبيدها كيس كبير أخفته وراء ظهرها وسرعان ما حشرته في خزانتها دون رقابة ولوم، يرجع ويدور الرادار ويحوك في كل موجة قصة وحكاية لا ينتهي فيه عجنه وبثه إلى أن يأتيه سلطان النوم ليقف البث المباشر للغد.

* لا تعرف كيف توقف صغيرها عن هذه العادة السيئة، وقد حاولت معه الكثير هذا ما بدأت به السيدة سهى عطيرة حديثها وقالت: طفلي طويل اللسان، ولا يدخل لحلقه أبداً، منذ كان في السادسة من عمره وهو يبث كل أخبارنا لكل من يدخل بيتنا، من أهل وجيران وحتى غرباء فيضحكون، لقد صنع منا أضحوكة وكنت أتناوله بالضرب والصراخ عليه بأشد العقاب حتى أني لطالما حرمته من كل شيء يحبه ولم أجد فائدة، وأصبح عمره 13 سنة وإلى اليوم هو كعادته لا يملّ نشر الأخبار وليس على لسانه رباط بل يزيد عليها عندما أتوعده ويراني في أشد مواقفي إحراجاً وضيقاً، وكأنه ينتقم مني لأمر ما، وهو يخبر والده بكل ما أفعله طوال اليوم حتى يصل بنا الأمر أنا ووالده إلى خلافات كبيرة وطريق مسدود بحياتنا معاً قد وصل في بعضها إلى ذكر الطلاق، ومشاكلنا لا تنتهي بسبب لسانه الطويل.

* عليا الأطرش: لقد ضقت ذرعاً بابنتي التي لا تتوقف عن الكلام، وخاصة ونحن محبوسون في بيوتنا وداخل دائرة الحجر ولا متنفس بيدنا غير الموبايلات، وما إن أغفل عنها حتى أجدها قد أمسكت به عوضاً عني وبعثت برسائلها إلى جميع الأصدقاء والغرباء على صفحات التواصل الاجتماعي ماذا طبخنا وأكلنا وبماذا تحادثنا ومن التهمناه بألسنتنا وتغيبناه عن مجلسنا بأدق التفاصيل وأفضل التعابير، فأكاد أجن ولا أعرف كيف أمحوها وقد وصلت لأكبر عدد منهم، ولما أقاصصها وأعاقبها على فعلها تسألني بماذا أخطأت وهي لم تفعل شيئاً يؤذي أحداً كما أن رفيقاتها كلهن يبحن على شاشات الموبايلات كل ما تأتين عليه من أفعال منذ نهوضهن من الفراش وحتى رجوعهن إليه قبل الفجر، ولا ترى أن للبيت أسراراً وخصوصية لا يجب أن يعرفها غير أهل البيت، وقد تسبب لهم الإحراج والخجل أمام الناس، ولا داع لنشرها على الفيسبوك كما في هذه الأيام.

* أم سهيل، تزور جارتها كما الأخريات في البناية، لكنها انتبهت أن تلك الجارة تبقي ولدها الصغير بجانبهن حين تذهب لإعداد القهوة والضيافة، وقد رمت إحدى الفتن والشائعة المغرضة بين الجارات لتجد ما كان بالحسبان، مثل ما تكهنت فذاك الولد يبقى معهن ليزود والدته بما فاتها من أخبار وأحاديث الجارات، تقول: عندما أخبرت الجارات بما صار بتنا نخفف عنا ذلة لسان، وأصبح عندنا هذا الطفل البريء قليل التهذيب ونتلافى نظراته حتى وإن أتت به أمه لزيارتنا فقد جعلته طفلاً ثرثاراً وطويل اللسان.

* السيد سام: لم يكن يعلم بأن فتاه الصغير وليد يرافقه لأجل مراقبته كما لقنته والدته حيث قال: لقد دفعته أن يرصد تصرفاتي ويسجل كلامي بكل من ألتقي بهم وخاصة الفتيات، كنت أخذه إلى الحديقة ليلعب أو محلات رفاقي للتسلية وحتى التسكع في السوق وبعض شوارع الأحياء، وفي أحد الأيام سمعته يبث والدته بكل ما نطق به وأشار للعابر والسائل وغيرها مما لفت انتباهه في البنات وكان يوماً لا ينساه، حيث ارتفع صوت زوجته ووصل الخناق لعنقه، وكاد أن يودي بحياته الزوجية بعد أن طلبت الطلاق.

* لينا رعوان، مرشدة نفسية أشارت ببعض نصائحها التي وثقتها بقول عالم النفس لوثر ودوارد (إن الوالد الذي يعمد إلى رد الإساءة من الطفل بالتعنيف أو العقاب فإنه يبذر بذور المتاعب والمصاعب في طريق الطفل) فتقول: إياك والعنف فإن العقاب قد يسبب عنده رد فعل معاكس لما تتوقعينه فيكون منه التمرد وإرغامه القيام بأشياء تزعجك ولا يتعلم منها الطفل، وقد يزيده التوبيخ تمسكاً في الحديث والبوح بما يضيق عليك، كما أن وضعك لبعض القواعد الواضحة يعرف فيها حدوده ويبين عواقب تجاوزها، كما أنه يشعر برفقته لجلسات النساء أنه يقلدك ويروي ما في خلده للتسلية إليه لتكن عيونك في عيونه لجذب انتباهه وخذي وقتك لاستيعاب الموقف والتفكير بهدوء بالتصرف الصحيح، ولا فائدة من العقاب البدني وأعطه بعض الرعاية والاهتمام، ونبهيه أنها عادة سيئة وللمنزل خصوصية وحرمة وأسرار، ويجب ألا يعلم بها أحد من خارجه قريب أو بعيد، حمليه بعض المسؤوليات والأسرار لتشعريه بأهميته، كما أن لدى الأولاد خيالاً واسعاً لتأليف القصص فلتتوجهي به لتنميتها بوجه آخر فيه النفع.

هدى سلوم- معينة جرعة

تصفح المزيد..
آخر الأخبار