العدد: 9554
الخميس : 19 آذار 2020
الزراعة المائية هي طريقة لتنمية النباتات في محلول غذائي بالعناصر الغذائية التي يحتاجها النبات وبصورة متوازنة، والتي عادة يحصل عليها النبات من التربة بالزراعات التقليدية، وتقع المغذيات ضمن مجموعتين أساسيتين: مجموعة العناصر الكبرى التي يحتاجها النبات بكميات كبيرة كالآزوت والبوتاسيوم والكالسيوم والمغنزيوم والفوسفور والكبريت، ومجموعة من العناصر الصغرى والتي يحتاجها النبات بكميات صغيرة رغم أهميتها المطلقة للنبات وهي الحديد والمنغنيز والزنك والنحاس والمولبيدينوم والبورون.
ولإلقاء الضوء على أهمية هذه الزراعة وميزاتها، ومعرفة واقعها، وأنماطها، وسلبياتها، ومتطلبات نجاحها، والمقترحات الخاصة بتطويرها، ومدى انتشارها على أرض الواقع، حدثنا الدكتور غياث علوش أستاذ في كلية الزراعة بجامعة تشرين، قسم علوم التربة والمياه: تلاقي زراعة البيوت المحمية في المحاليل المغذية رواجاً وانتشاراً واسعاً على مستوى العالم، نتيجة لاقتصاديتها ومردودها العالي، حيث تقدر الجمعية الدولية لمنتجي الخضار في إحصائياتها عام 2017 أن المساحة المستثمرة في إنتاج الخضار بلغت 489 ألف هكتار، لكن للأسف لا تزال المشاريع الإنتاجية باستخدام الزراعات المائية خجولة في بلدنا، ولا تتجاوز عدد التجارب في الساحل السوري سبع تجارب شخصية، وبمساحات لا يتجاوز المشروع الإنتاجي عن صالة بمساحة تقريبية 800 متر مربع، ولا تستخدم التربة في الزراعة المائية، بل في وسط بديل يدعم الجذور، ليس خاملاً بالمطلق، لكنه لا يؤثر كثيراً في تركيبة المحلول الغذائي، ومن هذه الأوساط التي انتشرت على مدار السنوات الرمل والبيرلايت، والصوف الزجاجي، الخفات، الكمبوست، وجيبات معدن طين الفيرموكلايت، ببساطة يمرر المحلول الغذائي المتوازن بالمغذيات الموجودة في الخزان، حيث تختلف سعته بحسب عدد النباتات التي يغذيها بواسطة مضخات على الوسط البديل النفوذ الذي يحوي الجذور، يمتص النبات الماء والمغذيات، ويصرف الفائض إلى قنوات تصب لاحقاً في ذات الخزن الذي يحوي المحلول الغذائي، إذاً هي دارة مغلقة يتحرك فيها المحلول المغذي، يمكن استخدام ذات المحلول الغذائي في سقاية صالات الزراعة المائية لمدة تتراوح بين 15 يوماً وشهر، بحسب مرحلة نمو النبات وطور الإنتاج، وتجدر الإشارة إلى ضرورة تعويض الفاقد من الماء بالنتح والتبخر والمغذيات بشكل دوري، وتعويض الماء قد يتم مرتين في اليوم إذا كانت النباتات كبيرة وفي طور الإنتاج، بينما يمكن تعويض المغذيات على فترات أبعد، والسبب هو أن سرعة امتصاص الماء أكبر من سرعة امتصاص العناصر المغذية وتزيد الحرارة والسطوع الشمسي من فقدان الماء، وكذلك حجم النبات ومرحلة الإنتاج.
متاحة في كل مكان
وعن مميزات الزراعة المائية قال د. علوش أنها تسمح بالزراعة والإنتاج في كل مكان كالأراضي الصخرية والرملية، وعلى الأسطح، لأنك لست بحاجة لتربة زراعية، وتستهلك ماء أقل بـ 20 مرة مقارنة بالزراعة التقليدية في التربة، وهذا أمر في غاية الأهمية في ظل شح موارد المياه، فالقرن الواحد والعشرون هو قرن الصراع على المياه خاصة في منطقة حوض المتوسط، وبيئة الزراعة معقمة، الأمر الذي يعني حداً أدنى من استخدام مبيدات الآفات، وهنا لا توجد أمراض تنتقل عن طريق التربة كالنماتودا والفيوزاريوم، إصابتان لهما تبعات وخسائر فادحة على المزارعين، المزارع ليس بحاجة لتعقيم التربة الذي يكلف في يومنا هذا، يكفي في الزراعة المائية تعقيم النظام بمحلول 10% هيوكلورايد الصوديوم (ماء جافيل) وهي مادة متوفرة ورخيصة الثمن، نحضر محلولاً معقماً في خزان وندّوره في أقلية الزراعة والري لمدة 24 ساعة، هذا ما كنت أقوم به خلال دراستي في بريطانيا لنيل درجة الدكتوراه، وكذلك في دراستنا عن البندورة في جامعة تشرين، حيث لم نشاهد أي إصابة على الجذور من أي نوع، وتوفر 20% في المكان اللازم لنمو النباتات، فالبيت البلاستيكي الذي يتسع عدد الزراعة في التربة لـ 1000 نبات يصبح يتسع لـ 1200 نبات عند الزراعة المائية، وهذا يعني تكثيفاً زراعياً ناهيك عن التكثيف العامودي الذي يعني زيادة إنتاج وحدة المساحة وكذلك توفر أكثر من 50% من كلفة الأسمدة على اعتبار أننا نضيف للمحلول المغذي ما يستهلكه النبات فقط ولا ضياع في التربة ناتج عن الصرف من التربة الزراعية أو محدودية إتاحة المغذيات في التربة نتيجة الكيمياء التي تحدث في التربة، كما أنها تحقق محصولاً يزيد أمثاله في الزراعة المحمية بالتربة بمعدل 40% في الزراعة المائية، لا محددات للنمو أو الإنتاجية أو نوعية الثمار، لأن جميع المغذيات متاحة وبنسب متوازنة وبالشكل الذي نريده بحسب مرحلة النمو والإنتاج للنبات.
تحتاج لمعرفة وتقنية
وبالنسبة لسلبيات تلك الزراعة قال د. علوش بأنها تكمن في كونها تحتاج إلى الوقت والالتزام والخبرة والمعرفة التقنية، لذلك يحبذ ممارستها من قبل خريجي كليات الهندسة الزراعية وما أكثرهم، أو الإشراف التقني من قبل المختصين بالزراعة المائية، حيث يمكن لشخص واحد أن يشرف على خمسة مشاريع إنتاجية، كما وتحتاج هذه الزراعة إلى مستلزمات إنشائية مكلفة قبل البدء بنظام الزراعة مثل: الخزانات والمضخات وأقنية الزراعة والوسط الحامل والمواسير، غالباً ما يتم شراء نظام الزراعة المائية في الدول المتقدمة بشكل متكامل وهو أنيق الشكل مصنع بدقة، لكن ذا تكلفة عالية، إلا أن العقل السوري المبدع قد وظف مواداً لا تستخدم عادة لغاية الزراعة وهي مواد غير عالية التكلفة، فمثلاً صنع خزان المحلول الغذائي من البلوك مع طينة، استخدام مضخات مياه تستخدم لرفع الماء للمنازل، أقنية للزراعة هي قساطل الصرف الصحي قطر 4 إنش أو القساطل البيتونية الأمر الذي جعل التكاليف مقبولة يمكن لمزارع متوسط تحملها.
وفي حال انتشار الأمراض أو الآفات، خاصة تلك الناتجة عن استخدام مياه ملوثة فهي كارثية على المزارعين، نتيجة لسرعة انتشارها والمخاطرة باعتماد هذا النظام الزراعي على الماء والكهرباء، وهذه المخاطرة كبيرة في بلدان تنقطع فيها الكهرباء، إن توقف دوران المحلول المغذي في أقنية الزراعة لفترة نصف ساعة خاصة في الأيام المشمسة تعني فقدان المحصول، لذلك يتطلب الأمر وضع أجهزة إنذار لتوقف العمل.
المضخات المائية أفضل
ورداً على سؤالنا أيهما أفضل الزراعة المحمية في التربة أم في أوساط غذائية قال د. علوش: كلا النوعين من الزراعات في التربة أو في المحاليل الغذائية فهي مضمونة ولو اختلف الشكل قليلاً، كلاهما زراعة تستخدم مركبات كيميائية وتتم فيها المكافحة للمرضات الفطرية والفيروسية والحشرية برش المبيدات، وحسب رأيي الزراعة المائية أفضل، فهي تقدم المغذيات للنبات بصورتها المناسبة والمتوازية، وتحقق وفراً في الطاقة اللازمة للحصول على احتياجاته من المغذيات تعادل (30 -50)% مقارنة بنباتات تنمو تحت نفس الظروف في التربة.
وقد أثبتت الدراسات العلمية احتواء النباتات التي تنمو في المحاليل المغذية على 50% زيادة عن تلك التي تنمو بشكل تقليدي في التربة، كما تمكننا الزراعة المائية من إنتاج بندورة جيدة الطعم تشابه تلك المزروعة في تربة غنية في موسمها الصيفي حيث أشعة الشمس والمناخ اللذين يكسبان البندورة ذلك الطعم المستحب للمستهلكين، يمكننا التحكم بفترة إنتاج الثمار وتحسين تزويد الثمار بالسكريات والأحماض العضوية التي تكسبها الطعم المستحب.
وتعد هولندا من الدول التي تعتمد بشدة على الزراعة المحمية سواء للخضار أو الأزهار وتسويقها لكل أنحاء العالم، لكنها تعتمد بشكل أساسي على نظام الزراعة المائية ولتحصل المنتجات على أفضل الأسعار مقارنة بالزراعة المحمية في التربة.
وتساءل د. علوش عن عدد المرات التي تم فيها شراء البندورة ويبدو من الخارج حمراء ومنظرها جميل ولكنها خضراء من الداخل، ثمارها طرية سرعان ما تبدأ بالتعفن حتى وهي في الثلاجة؟ وعندما نقوم بتقطيعها عرضياً نرى أنها ذات تجاويف فارغة وسماكة فلينية، أو ثمار يبدأ العفن القاعدي فيها وهي في البراد لديكم، فكل هذه الظواهر هي حالات لخلل في التغذية وهو إن حصل فيكون نادراً في حال التغذية بالمحاليل المغذية المتوازية.
وسألنا ماذا عن أنماط هذه الزراعة فقال: هناك ستة أنواع من أنظمة الزراعات المائية كالتغذية المائية بالغمر أو الغمر مع الصرف أو المحلول الغذائي المتحرك أو التنقيط أو الهوائي، وهناك العشرات من النماذج التي تستخدم الأوساط الداعمة البديلة للتربة.
ورداً على سؤالنا لماذا يجب أن تستخدم الزراعة المائية في المستقبل أجاب
د. علوش: تتوقع منظمة الفاو FAO أنه يتوجب على القطاع الزراعي زيادة الإنتاج بمعدل 70% لمواجهة الزيادة السكانية المتوقعة مع عام 2050 هذا على الرغم من شح مورد الأراضي الصالحة للزراعة والماء العذب وتغيرات المناخ.
لاشك في أن الزراعة المائية هي أمل نحو المستقبل لإنتاج الخضراوات الثمرية والورقية، سواء في مواسمها أو خلال مواسم الشتاء حيث تكون الإنتاجية عالمية مقارنة بالزراعات الحقلية أو الزراعات المحمية في التربة.
خطوات النجاح
ولضمان نجاح مشروع الزراعة المائية يبين د. علوش لابد من المتابعة اليومية والتي تتضمن الخطوات التالية:
• إيقاف المضخات المعنية بضخ المحلول المغذي عن أقنية النباتات حتى تتجمع الماء في الخزان، وتعويض الماء الفاقد إلى الحجم المطلوب باستخدام ماء يحوي العناصر جميعها وإعادة تشغيل المضخات لتروية النباتات ثانية، وأخذ عينة 100 مل من المحلول المغذي من الخزان بعد 10 دقائق من إعادة ضخ المحلول المغذي، وقياس النترات والبوتاسيوم ودرجة الحموضة بواسطة أقطاب بعد معايرتها، وبذلك يمكن حساب الكميات من المغذيات المفقودة نتيجة لامتصاص النبات، وبالتالي حساب الكمية من المغذيات اللازم إضافتها لإرجاع المحلول المغذي إلى التراكيز المطلوبة باستخدام محاليل مركزة لأملاح سمادية تضاف إلى الخزان لكل محصول خضار صيغة للمحلول المغذي خاصة به، ويمكن في حال استخدام تراكيز عالية نسبياً، متوازنة، يمكن أن نقوم بهذه الإجراءات كل يومين أو ثلاثة فيما عدا الإجراء رقم /1/ الذي يتم إجراؤه مرة كل 24 ساعة وربما مرتين يومياً، وهذا أيضاً يعتمد المرحلة العمرية وحالتي الطقس والنتح/التبخر.
لذلك يجب أن يقوم بهذه الإجراءات مهندس زراعي ذو خبرة في مجال التحليل والحساب، وجامعاتنا تخرج سنوياً العديد منهم خاصة المهندسين ذوي اختصاص في قسمي التربة والمياه والبساتين.
تجارب قليلة
ولمعرفة واقع الزراعة المائية في الساحل السوري والمقترحات لتطويرها التقينا المهندس ظهير صالح الخبير بالزراعة المائية الذي أوضح أن هناك تجارب لا تتجاوز عدد أصابع اليدين، ولا يمكن أن نسميها مشاريع بل تجارب صغيرة لمبادرات فردية وأضاف أنه لا يوجد حتى الآن بند في قانون تصنيع الأسمدة السورية يسمح بتصنيع الأملاح السمادية الخاصة بتحضير المحاليل المغذية.
وقد قمنا بتصنيع منتج نينا هيدروبونك لتحضير المحلول المغذي وتمّ التسجيل في وزارة الزراعة، إلا أن مديرية الأراضي في الوزارة لم تفرج عنه لعدم وجود هذا البند الآنف الذكر، كل من يرغب بهذه الزراعة يسأل أولاً من أين سيحصل على الأملاح السمادية اللازمة لزراعتها والمستوردين لا يقومون بتأمين الأملاح استيراداً لعدم وجود طلب عليها من قبل السوق.. فالحلقة مفرغة.
وهناك العديد من الشركات السورية قادرة على تصنيع تلك الأملاح السمادية محلياً إذا وجد البند الصريح في قانون الأسمدة السورية وبالسؤال عن المحددات الأخرى فقد أشار المهندس صالح إلى عدم وجود التشجيع الحكومي لِتأمين التمويل اللازم للزراعات المائية خاصة وأن تمويل المشاريع الصغيرة سياسة تتبعها حتى الدول المتقدمة لأهميتها في دفع عجلة الإنتاج، وخلق فرص عمل للفنيين، ونعني هنا لدينا عدد ضخم من الخريجين الجامعيين المؤهلين للقيام بمشاريع الزراعات المائية فمن خلال المشاريع يتم تأمين الدخل المائي الذي يساهم بالحياة الكريمة بدلاً من الاعتماد على الراتب الوظيفي فقط، وهذا الإجراء يطبق في مصر فلماذا لا تعتمده الحكومة والمؤسسات المصرفية.
مريم صالحة