المـــــديرون.. ولكل مقـــــــام مقــــــــال!

العدد : 9553
الأربعاء : 18 آذار 2020

 

(بيروح مدير وبيجي مدير ونحن لسى بنفس الحال)، صورة فولكلورية لحضرتهم بنسخة طبق الأصل طبعت على الكربون، ولكل قاعدة استثناءات لكن الصورة المستبدة في ذهن الموظفين عن السادة المديرين أنهم خلقوا بهيئة واحدة وبنفس المقاس، تواءم جاؤوا من بطن واحدة وأب واحد وهيهات أن تجد بينهم بعض الاختلاف، فما أن يجلس في أحضان كرسيه حتى يقع في فوبيا (سي المدير) كل شيء يتغير فيه حتى (فرق شعره) يصبح لليمين، يحبّ الأضواء والكاميرات التي ترصد إنجازاته ونشاطه مع قص الشريط، وسرعان ما يصطف جميع أهله وأقربائه بين الموظفين، وسيارة الشغل مع سائقها في خدمة الزوجة والأولاد، وهي التي وضعت فوق باب بيتها حجاباً، وتتكرر الأيام على صول الروتين بتواقيع دوام كاميرات مراقبة وبصمة (كمان) لأجل الشغل، وتكثر الاجتماعات في صمت الموظفين (الروبوت) لا يشكو ولا يحس ولا يغيب ولا يملّ، يصل لبيته الغلبان وعلى وجهه شحوب وغروب لضحكته لينبش كل ما في داخله من توتر وصراع قد يكون فيه لزوجته التسريح والطلاق، فالدراسات الحديثة تؤكد أن طريقة تعامل المدير مع مرؤوسيه تؤدي إلى 80% من حالات التوتر وفقدان الحماسة وكره العمل. 

إذا ما دخلت مؤسسة أو شركة للقطاع العام، فكأنك دخلت على المؤسسات كلها، مدير وموظفون وروتين، من يقع عليه اختياره ليكون من حاشيته فقد فتحت له أبواب السماء والنعيم، ومن أفلس بينهم طالباً رضاه وقع أسفل سافلين ومن المغضوبين ويكون كحمد (يوم الحزة حمد لقدام ويوم اللذة حمد لورا) يصحو (حمد) من سكرته ويقول: كأنه غلبني النوم وراحت علي غفوة وشاهدت فيها مناماً، خيراً، اللهم اجعله خيراً..

بدون ذكر أسماء أو عناوين عملهم ومكان شغلهم كان شرطهم ليتحدثوا عن مدير مؤسستهم أو شركتهم أو رب عملهم، حتى لا نحرمهم مصدر رزق عائلاتهم، فليس من المعقول أن يسكت المدير ولو كان شفافاً عن وصمة أصابته من عامل عنده ولو كان ابن أخيه، بداية رحبّوا بالموضوع وأكدوا أنهم سيقولون الحقيقة ولكن بعد وقع السؤال جاء الكتمان لينفضوا بقولهم إلى الغد، وبعده جاؤوا على قولهم ماذا يكون في أمرنا إن قلنا (ما في منو وكويس أو سيئ) المهم مصلحة الشغل، فإن قلنا جديراً بكرسيه ويليق به مركزه ومعاملته حسنة، فإننا (مساحو جوخ) وإن قلنا غير جدير بالثقة ولا يقدر عملنا، فنحن ظالمون وقد نكون كسولين، فبعض الأعمال لا تقاس بالكيلوات أو المترات والسعات بعضها فكريّ وفنيّ أو ميدانيّ ومهني تعتمد على حجم وقع العمل على الغير، ونفعه ومردود فائدته، وهنا يمكن أن نقع ضحية حسابات المدير وتقديره.
أغلب من التقيناهم ردوا بكلمة، ليس فيها شك ولو بدبوس واحد (كويس، متل اللي قبل)

* عبد الله سميا: لما سألناه عن رأيه بالمدير ضحك وقال (شو بدكم تخربولي بيتي) يمكن للمدير أن يتحكّم في رزقنا وعيشنا وبيتنا، يكفي ما أصابني، فزوجتي طلبت الطلاق منذ فترة وتجافينا، يومها كان عندنا مدير قد كرّهني الشغل، حيث كنت أقضي معظم وقتي في الدوام، وتحت قبة طاولة الأعمال ولا تقدير لكل المجهود الذي أقوم به، فأعود للبيت متعباً ومرهقاً لأجد زوجتي تصيح بي، ما إن دخلت الباب أين الذي طلبته منك؟ ولما أقول لها بأني تعبان ولماذا لم ترسل الأولاد للدكان أو تذهب بنفسها وتأتي بما تحتاج تصرخ وتقول: كلّ الرجال يأتون لزوجاتهم بالخضار والحاجات في طريق عودتهم، وتزيد علي بالقول (بديباجة كل يوم) بالشغل كل شيء يريده المدير تفعله ويزيد العبء عليك ولا ترفع رأسك عن أضابير المراجعين من الصباح وحتى المساء، ولا رضا لك عنده ولا مكافأة أو تشجيع، وتأتيني لتستريح وتتكل عليّ في كل شيء، ويرجع لقوله: لقد تعبت، لقد مللت حياتي وكرهتها.
* ياسر، يقول: المدير في غرفته لا يعلم شيئاً مما يدور في فلك المؤسسة مع الموظفين والمراجعين، ولا أراه إلا عند الاجتماع الشهري حيث يتكلم ويتكلم لا يهدأ القول منه وخاصة في المناسبات الوطنية والجميع صامت يهزّ رأسه بالإيجاب، أنا أقوم بكل الأعمال الموكلة إلي ولم أقصر يوماً، لهذا ليس لي شأن عنده ولا غاية فلا أقصد مكتبه ولا سؤاله، لكن في مؤسستنا الجميع يتساوى الذي يعمل ومن لا يعمل هم سواسية وقد يحظى أحد المارقين من الحضور والدوام والبعيد عن العمل بالتقدير والمكافآت، إذ لا توجد عندنا أي مبادرة أو محاولة لتشجيع الموظف المثالي الذي يعمل بضمير.

* نور تعمل في مكتب محامٍ: دخل مكتبه اليوم غاضباً بعد أن جاءت عطلة القضاء باكراً على غير موعدها بعد (كورونا) فهو يعتمد في مصدر رزقه على عمله في المحكمة، وليس لديه غيره عمل، وإن كان ينهرني كل مدة وأخرى لأجل أمر في المكتب (تنظيف، تسجيل القضايا) فإنه اليوم صبّ جام غضبه عليّ، لكنه آخر النهار اعتذر مني وتأسف لما صدر منه، وأنا سامحته فهو طيب القلب وليس متسلطاً وفوقياً كما في شغل صديقتي عند طبيب، وإن يكن فهو ربّ عملي ولا أستطيع له رداً، فالشغل أحتاجه ويمكن أن أتحمّله لأجل العيش، كما أن الواحدة منا يمكن أن تتعرض للأمر في بيت أهلها ووسط عائلتها فدائماً الكبير على حق.

* حافظ: مع (كورونا) خفّ ضغط الشغل أي أننا قسمنا العمل ما بيننا نحن المجتمعين في غرفة واحدة، ولم يعد وجود للزحمة على الطرقات كالتي كانت بالأمس، فلا عندنا تأخير ولا صراع مع المدير، حتى أن المراجعين قد انخفضت أسهم مشاركتهم لنا الغرفة والاندفاع قبل قهوة الصباح، وكان قبل اليوم يبدأ الدوام من الثامنة صباحاً وحتى الثالثة ظهراً مع مراجعين وشرب قهوة وشاي وتسلية مع الشباب، حينها وبلا طول دوام وسيرة قد يضطر الواحد منا ليصطدم مع أحد المراجعين وحتى لو كنا لطلبه طائعين، فإن المدير يصيح بنا (المراجع على حق)، كلّ الأيام مثل بعضها يوم متكرر يطبعه الروتين، لقد تزوجت هذه الدائرة لتكون بيتي وملجأي كل يوم، مهما كان شكل أبيها ومديرها، العمل عمل يجب أن نقوم به لنأخذ أجرنا والموظف هو العنصر الثابت والمدير أو رئيس الدائرة والقسم متحرك وغير ثابت في مكانه.

* شذى: ليس أصعب من أن يكون رئيس عملك ودائرتك امرأة، فهي عند توليها هذا المنصب تظهر بوجه مغاير لأنوثتها وطيبتها، لتكون متعجرفة وصعبة تتحرك فيها الغيرة وتحارب الموظفات الطموحات اللواتي يمكن أن يهددنها في منصبها ومكان نجاحها، حيث تمسك أمور العمل من رقبتها، لهذا تطغى الشكوى بينهن وقد تسيء للموظفات وتتعالى على الموظفين الرجال ليكونوا تحت السيطرة وطلباتها أمر فلا عندها للطرفين أي امتيازات أو حساب.

* ميساء موجهة في مدرسة أشارت بأنها تعيش مع أسرة إدارية وتدريسية جيدة ومديرتها تعاملهن كصديقات وأخوات وفي كل أمر إداري لمصلحة المدرسة وأهلها من طلاب ومدرسين يكنّ معها يداً واحدة على الصواب، وضمن القانون ليرضى به الجميع، ولا يحرّك فيها حبها لعملها غير ضمير مهنيّ وإنسانيّ يرشدها لتقديم أي مساعدة مهما كان وجهها وحجمها، خاصة (كما تقول) أننا نعيش أيّاماً عصيبة والكل يحتاج للمساندة والتخفيف عنه، كما أن الطلاب يحتاجون منا الإرشاد والتوجيه إضافة إلى حقهم في التعليم وسط بيئة (المعلم والمدير) محفزة لهم على النشاط والدرس والنجاح.
* أبو سائر يعمل منذ عشر سنوات في محل تجاريّ بالسوق وهو راض والحمد لله وإن كان ربّ عمله ومدير المحل شاب اًبعد وفاة والده فهو يقدر شيبته، ولا يحاسبه على كل دقيقة تأخير مع أن طلاب العمل والمحتاجين له كثيرون، ولا يراه متزمتاً أو صعب المزاج ويحسّ معه بالأمان والاستقرار كما والده.

* دعد موظفة في بنك: شغلي قائم مع مديرتي على تداول التقارير عن العمل نظراً لكونه تفتيش وفيه الصدق والأمانة، لكن العلاقة بيننا تتحلى بالصداقة والتفاهم والإخوة.
* عماد عمل في إحدى المنشآت الخاصة: العلاقة بين العامل والمدير رسمية جداً ينظر إلى العامل على أنه آلة تؤدي عملها بعيداً عن المشاعر والأحاسيس، فقد تعرضت لحادث خلال فترة عملي ولم يبرر غيابي وتم خصم أجرتي لكن بعد الشفاء عدت لعملي ولم أخسر فرصتي فيه رغم قسوته وشقائه، ومرة لأجل وفاة أحد المقربين غبت ليومين وتعرضت فيها لشر طردة من شغلي ولم أنل بعده لا تعويضات ولا غيرها من تعب سنين طويلة لأشتري بها كرامتي وراحتي.

* نهال موظفة في بنك: رئيسيّ المباشر في القسم كان شخصاً مزاجياً ومتقلب الأهواء، يرغب بالصبايا الجميلات حوله ويحب سماع أحاديثهن وتغريداتهن عليه ولكل منهن سلطانها عليه، لكنّي المنبوذة بينهن، لهذا كانت منه العقوبات والحسومات على الراتب، ولم أستطع أن أنفذ من الوضع القائم علي غير بتبديل المكان وطلب النقل، ولكنني ندمت كثيراً بعد أن علمت أن مدة صلاحيته لوظيفته قد نفذت وترك الوظيفة، وأنا خسرت صديقاتي ومكان عملي الذي كان يروق لي وأرتاح فيه.

* غياث: لم يشكرني أحد في شغلي ولا المدير يوماً إلى أن أتت تلك البصمة لأسمع كل يوم منها (شكراً لك)، وهو ما يرطب فؤادي ويسعدني، يوجد الكثير من المديرين يضيقون على الموظفين الموهوبين والذين لديهم شغف بعملهم ورضاهم عن أنفسهم كبير، أحسّ بحرب غير معلنة بيننا والابتسامة تكسو وجوهنا، يحق لنا أن نرفض العمل الخاطئ ونرفع صوت تفكيرنا ونشارك به الآخرين، ونسمع صوت مديرنا بالشكر فنحن نقضي جلّ وقتنا في الشغل ونستحق التقدير والمكافأة والتي يعطيها لمن يشاء حضرة المدير، فبعد سنوات عمل كنا قد حفظنا فيها المدير الذي يمكنه أن يغير أماكن عملنا في الصالات وبين الأقسام وإن لم يكن بنا خصاصة به كما في رقعة الشطرنج، وأيضاً حفظنا (عن ظهر قلب) تعاليم العمل وتعلقنا بأشخاصه والدوام والاستيقاظ باكراً وقطع مسافات للوصول إليه فيكون كبيتنا الثاني لكنه اليوم ليس كما كان ولا الأيام على ما يرام، ولا يمكن أن أقول أن السبب هو المدير.

هدى سلوم- معينة جرعة

تصفح المزيد..
آخر الأخبار