عندما يتحــــوّل الخطــأ إلى خطيئـــــة!

العدد: 9528

الأربعاء : 12شباط 2020

 

يعتبر الرجوع عن الخطأ فضيلة، والإمعان فيه (الخطأ) خطيئة، والحديث هنا عمن يخطئ بحق نفسه، فكيف إن كان الخطأ بحق شريحة واسعة من الشعب، وربما بحق معظمه.

لا شك بأن المراقب العادي للقرارات المتعلقة بقوت الشعب، لاحظ حالة التخبط التي تحكم هذه القرارات، ورأى بأم العين كيف تم الرجوع إلى إجراءات قديمة أُوقف العمل بها قبل برهة من الزمن بقرارات صدرت عن نفس الجهة المعنية، وهذا أمر لا يمكن اعتباره امتيازاً، أو رجوعاً عن الخطأ – كما أشرنا أعلاه-، بل اعترافاً بفشل السياسة المتبعة في مواجهة تبعات الحرب الاقتصادية.
قد يتذرع المسؤول بأن العدو طور أساليب الهجوم علينا، وما كان يصلح قبل أشهر لم يعد يصلح الآن، وهذه حقيقة لا ينكرها أحد، ولكن، ماذا حضرنا مسبقاً لمواجهة متغيرات (التكتيك) العدواني؟ وكيف استشرفنا القادم؟ وماهي الخطط البديلة للالتفاف على أسلحة العدو الجديدة؟ بالطبع لا شيء، والدليل هو عودتنا إلى نقطة البداية في أمور كثيرة، وتخبطنا اللامحدود في اتخاذ القرار المناسب للتخفيف من حدة الأزمة التي تعصف بالمواطن الصابر.
لن نتحدث عن قرارات المصرف المركزي، ولا عن قرارات وزارتي التجارة الداخلية والخارجية، فلهذه الأبحاث أربابها، وأهل اختصاصها، ولكننا سنبقى نتحدث عن وجع المواطن مهما أدار لنا المسؤول أذنه الصماء، فنحن نشعر بهذا الوجع كوننا جزء منه، ونعرفه جيداً.
في استطلاع للمحيط الضيق، وجدنا أن تسعين بالمئة باتوا على حافة (فض الاشتباك) مع أسطوانة الغاز المنزلية بعد ربطها الوثيق بالبطاقة الذكية، فالجميع أكدوا أن السوق السوداء كانت ملاذاً لهم عندما يتأخر موزع الغاز عن إعطائهم حقهم لأسباب قد تكون خارجة عن إرادته، وكانوا يضطرون لدفع ضعفي السعر الرسمي للحصول على حاجتهم، ولكن الحالة كانت تحدث مرة واحدة خلال شهرين أو ثلاثة، أما الآن، وبعد القبضة الحديدية على الغاز المنزلي، وغياب السوق السوداء شبه التام، بات الحديث عن أسطوانة الغاز يشبه الحديث عن أساطير وخرافات كنا نسمع عنها ولا نصدقها، وبات الجميع يترحمون على السوق السوداء، فهل سمعتم عن سوق سوداء محمودة، تستوجب الترحم عليها؟ وهل سمعتم عن مواطن يفضل الفوضى والانتظار واقفاً لساعات، على (التنظيم) المزعوم؟.
مهما أكثرنا من الحديث عن واقع المعيشة الحالي لن نوفيه حقه، ولن نشهد حلولاً ناجعة لبعض تفاصيله، فالعقل المشرف على علاج الأزمة، استنفذ أفكاره، ولم يعد يملك أي شيء إضافي للخروج من عنق الزجاجة، والدليل على ذلك هو العودة إلى حلول سابقة كنا قد استخدمناها من قبل، وهذا ما يجعلنا نشعر بأن تغيير بعض السياسات المتعلقة بقوت المواطن، كان قراراً ارتجالياً، أو ربما لا يتناسب مع واقعنا، وبناء عليه عدنا إلى إجراءات سابقة لطالما انتقدناها، فنحن (للأسف) اعتدنا أن نهدم ما تم تشييده ولو جزئياً، وقررنا سلفاً بأن نعتبر كل ما قام به الآخر عملاً غير صالح.
هنا بالتحديد، يجب أن تحصل المساءلة، وأن يقف كل صاحب قرار عند صوابية قراره من عدمها، فإن كان هذا المسؤول غير نهج سلفه، لأنه كان خاطئاً، فما سبب العودة إلى النهج السابق؟ وإن كان النهج السابق هو الصواب، فعلى من ارتكب الخطيئة بحق المواطن، أن يقدم اعتذاره، مشفوعاً بعدم العودة.

غيث حسن

تصفح المزيد..
آخر الأخبار