الأديب أوس أسعد:يـُفهم الالتزام بالشـــعارات الملهبة للغرائز.. بينما المطلوب هو إنضاج التجربة الأدبية
العدد: 9527
الثلاثاء:11-2-2020
طائر يحلق في فضاءات مخيلته الإبداعية في أقصى سماوات الإحساس، ينشر جناحيه، فيضم تحتها ألمع وأنصع نجوم المفردات.
شاعر يشار له بالبنان لما يحمل من قوة قصائد وثقافة عالية من خلال تجسيد روح القصيدة و الفكر الممنهج في سرد حالة الشعر، هو الشاعر والأديب أوس أسعد..
* بطاقة تعريفية تقدم من خلالها أوس أسعد الإنسان والشاعر؟
** الحديث عن الذّات ليس مستحبّاً لديّ، لما يحمله من مزالق الوقوع في النرجسيّة ولذلك أربأ بنفسي عنه، ولأنّه من المفترض كبداهة، أن يكون ثمّة من يحكي عنك، إذا كان لديك ما يستحقّ الذّكر في مجالٍ ما، وبما أنّ الأديب أو الشاعر أو الفنّان أصبح بنتاجه قيمة معنوية بمعنى ما، فإنّه يغدو ملكاً للآخرين أيضاً يتناولونه بالقراءة والإضاءة والتمحيص، ولكن لا بأس بسردِ بعض الشّذرات الحياتيّة التي تلقي الضوء على مسار تجربتي الشعريّة، وأستطيع تكثيفها بمحطّتين مفصليّتين: محطة فطريّة بكر، تجلّت بنشأتي في أحضان بيئة صغيرة، كان أحد أقطابها ملتاثاً بمرض القراءة الجميل (أقصد الأب) المهتم بالثقافة عموماً ونظم الشعر العمودي أيضاً، والذي كان يحفّزنا دوماً لارتياد المركز الثقافي في مدينة جبلة، واستعارة الكتب بشكلٍ منتظم، وبما أنّه ليس بالضرورة أنّ تكون كلّ الأمراض المعدية مخيفة، فقد أُصبتُ بهذا المرض الرائع، مرض القراءة، وغدا تحصيل الثقافة جزءاً من زادي اليومي، وعادة إيجابية مزمنة أدمنتها منذ الصغر، وكم تمتّعنا بقراءة الأدب السوري والعربي، والأدب الكلاسيكي الأوروبي المترجم والأدب الروسي بعمالقته الكبار حيث كانت موجة الفكر الاشتراكي هي الطاغية والسهلة الانتشار والشراء، في تلك المرحلة العطشى لكلّ أنواع المعرفة، وهذه شذرة لطيفة أذكرها بكثير من الحبّ والخصوصيّة، وهي، أنّني وأنا ابن ضيعة منفيّة في أعالي الجبال تدعى (بسمالخ) وصلتني ذات يوم، مع الحذاء البنيّ الجميل، قصّة مصورة عنوانها (مازن رجل الفضاء) كان قد بعثها أبي لي بطريقةٍ ما وهو على خطوط النار، حيث كانت حرب تشرين تدور رحاها، وكم حلمتُ أن أصبح مثل بطل قصّتي يوماً ما، وهكذا كنت أرقِدُ الحذاءَ الذي كنت أريده أن يبقى جديداً، إلى جانب القصّة التي عشقتها بجانب وسادة النوم، تلك الطفولة المنسية على تخوم الأمس، والتي غذّتها حساسيّة خاصّة في أحضان ضيعةٍ تنام في سرير الغيم وتستحمّ بنداءات بكورة الطبيعة الخالدة، يراودها البحر عن نفسها كلّ غروب، كعاشقٍ أضناه الجوى، فتتمنّع كأنثى الأسطورة ثمّ تحنّ بعجرفةٍ السّمو، لتمنحه بعضاً من أصابع قدميها ليملّحها بزبده المبارك، هكذا كانت أنثاي (بسمالخ) تستجيب لإغراءات الأزرق اللّاهثة، لبضع لحيظات، ثمّ تفرّ كغزالةٍ شاهقة إلى عرشها الجبلي، لتسرد مغامرة عشقها اليوميّ المملّح على مسامع الطفل الصغير الذي كنته، والذي ظلّ يعشق تحنانها القاسي المبارك طيلة هذا العمر، ليغرق بدوره في تهيؤات وأحلام النّضج المبكّر، هكذا كانت مخالسة الظّبية والمارد (بسمالخ والبحر) أوّل تجارب العشق الباذخ، لدى الشاهد المتلصّص الصغير، بهذه التربة المملّحة بعري النّقاء الجميل، أنتشتْ ونمتْ بذور الشعر في داخلي، وتمّ الهبوط بسلام من قطار التّيه الأوّل في حياتي، وكم شرّفني تخصيص ضيّعتي بديوان شعريّ، اعترافاً دائماً بأستاذيّتها في فنّ العشق، عنوانه (بسمالخ، حجل يسند البهاء) كما ظلّت حصّتها محفوظة في قلبي ونصوصي الشعرية في كلّ الدواوين التي طبعتها فيما بعد، ثم كانت المحطّة الثانية التي أنضجتها الثقافة التراكميّة ومن ثمّ المنتقاة بعناية التي أسسّتْ وعياً وجوديّاً طعّم حياتي حدّ الامتلاء بكلّ أنواع المغامرات الجريئة والتّجارب الخطرة أحياناً، والتي أعتز بها كلّها، فهي (أناي) الشاعرة الحالية وقد أسقطتْ أمراض النرجسيّة عنها دفعةً واحدة، كما أزعم، لتسفر عن سبعة دواوين مطبوعة حتى الآن، منها ما صدر عن دور نشر خاصّة ، وآخر من خلال مؤسسات ثقافيّة كاتحاد الكتاب العرب والهيئة السورية للكتاب، ومازال في الجعبة الكثير الذي ينتظر فرصته للضوء (شعراً، سرداً، قراءات نقديّة ثقافيّة).
* كيف انعكست الأزمة السورية على نصوصك من حيث الكم والنوع؟
** من الطبيعي للكاتب أو الشاعر أو الفنان الذي يعيش في مجتمع أنهكته الحرب أن يكون أكثر تأثراً من غيره بما يجري بسبب حساسيّته الخاصة من جهة، والدور التقليدي الممنوح له تاريخياً بأن يكون لسان حال المجتمع، ولكن المسألة ليست بهذه البساطة والميكانيكيّة، حيث ثمة من يفهم الالتزام بالصّعود المنبري والصراخي وإطلاق الشعارات الملهبة للغرائز، بينما المطلوب هو إنضاج التجربة الأدبية أولاً على المستوى الفنّي، بعيداً عن كلّ هذا الابتذال الذي تتماشى مع الموضة السائدة، وإلا ستكون النتيجة جعجعة بلا طحين، وبما أن لكلٍّ عمله في الظروف الطبيعيّة فكيف إذا كانت استثنائية كالحرب التي تطحن بين فكّيها الوحشيّين كلّ شيء بما فيها الروح، وبما أنّ الشاعر هو ابن هذا الواقع الدامي فإنّها تطحنه طحناً مضاعفاً، كمواطن له متطلبات ومسؤوليات أسروية وحياتيّة تستنفد جلّ يومه وطاقته، لذلك ما يطلب منه القيام به يجب إعادة النظر به بشكل موضوعي، فهو موظّف نهاري يقضي جلّ وقته المستهلك في وظيفة تقتل روح الإبداع، يعمل بعد الظّهر، عتالاً لجلب المتطلبات المنزلية من غاز وتدفئة وغيرها في ظل جنون أسعار لا يرحم إنسانيّة الإنسان، والأديب حقيقة، ليس كائناً مريخيّاً يتمتّع بطاقات سوبر مانيّة، بل هو كائن بشري من لحم ودم وأحاسيس عالية الرهافة، متروك في الفراغ كغيره من المواطنين ليجابهوا مصيرهم بقدرة قادر، وكان من المفترض أن تتنطّح المؤسسات الثقافية أن تعني بشؤون أعضائها وأن تمنحهم تفرّغاً مشرّفاً مأجوراً، لينضجوا أعمالهم ومشاريعهم الأدبيّة والثقافية بعيداً عن الحالات الموتورة والاستهلاكيّة، حينها لا بأس أن توجّه لهم أصابع الاتّهام، وبحدّة لو شئتِ، لو أخلّوا بدورهم النهضوي والتنويري، لكن هيهاااات، فالمؤسّسات المعنية مصابة بالصمم والعمى والنّطق المعرفي أيضاً، لذلك أرجو ألّا يحمّل الكاتب المسكين وزر أخطاء وجرائم المؤسّسات فهو لا يمكنه القيام سوى بدور هامشيّ كمؤسّساته الثقافية المعطّلة، التي ينتمي إليها والتي تبدو كمن استقال من مهامه في أصعب الظروف وذلك يعود بجزء منه إلى هيكليتها البنيويّة المتوارثة الشائخة، وطواحين دورة إنتاجها البدائية التي تكاد لا تُنتج سوى المستنسخ والمكرور للأسف الشديد، الحرب تخرّب الذائقة وتلقي بظلالها السوداء على الجميع، وبما أنّنا بالأساس مجتمعات لا تقرأ، لذلك غدا دور الأديب ضئيلاً وهشّ التأثير.
* كيف تجد الواقع الثقافي العام في ظل تداعيات الحرب؟
** الواقع الثقافي بمؤسّساته المختلفة كما قلتُ سابقاً، في غاية التردي تحكمه الشلليّة والبيروقراطيّة وعقلية الموظفين الاستهلاكيّة، لا ذهنيّة المبدعين أو هواجسهم الداعية للارتقاء بسوية الثقافة عالياً، لقد تعمّقتْ السلبيات المرعبة أكثر في ظروف الحرب العالميّة الدائرة على الساحة السورية، لذلك ليس ثمة جمهور حقيقي يواكب النشاطات، لو وُجدتْ، وأغلب ما نراه هو شكليّات ذات بعد شعاراتي استعراضي، فالأماكن الثقافية حتى في العاصمة شبه خاوية تتباهى بأناقة مبانيها الخارجية، وروّادها المزمنين القلّة وحسب، وأمّا الوجه الواقعي الآخر لمسألة الجمهور الثقافي فيفضحه شطر بيت شعريٍّ قاله يوما الشاعر الراحل محمود درويش: (إنّا نحبّ الورد لكنّا نحبّ القمح أكثر) نعم الشعر والكتابة من أهمّ الضرورات، لكن كيف سنطالب الجائع ونلومه لعدم حضور أمسية شعرية أو نشاط ثقافيّ ما، أبذلك نطعمه الخبز مثلاً؟
كذلك شأن النقد، فهو متردٍ أيضاً، باعتباره أحد أغصان شجرة القصور الثقافي ذاتها التي وصّفتها سابقاً، وهو بالأساس يعاني من نقص فيتامينات حاد مسبق جعله عاجزاً عن مواكبة التجارب الأدبيّة الجديدة، ولذلك أراه في أحسن الأحوال، إمّا يتعامى جهلاً، أو قصداً قبل الحرب، وللإنصاف، فإنّ جزءاً كبيراً من مشكلته، يتعلّق بطبيعة المؤسسات الأكاديميّة المرهقة بالتقليد، والمثقلة بالنمطيّين والسّلفيّين، وحماة الكتب الصفراء، والدعاة المدافعين عن معجزات اللغة ونحوها الحجري المقدّس، والمبحرين في استنطاق (حتى) بما كانت ضنينة به على الموقّر (سيبويه) الذي قيل أنّه مات وبنفسه شيء منها، واللّاهثين وراء همزة (إنّ) ومتى تكتب فوق أو تحت الألف، وغيرها من التّرّهات التفصيليّة المضحكة، وحيث لا بحث ولا استقصاء حقيقيين ولا تحفيز لأصحاب الرؤى التجديديّة بقراءة الحاضر والماضي في ضوء الدراسات النقديّة الجديدة التي يمتلئ بها العالم الحديث، بل حتى القراءات التقليديّة المقيتة، والانطباعية بأحسن الأحوال، التي لا تغني عن جوع تكاد تكون مفقودة، وقد لا نلوم بمعنى ما، الأكاديمي المتخرّج من جامعاتنا لأنّه مواطن كغيره مضغوط حدّ الانفجار أيضاً، ويخضع لظروف الحياة القاسية ومتطلّباتها المرهقة، وهذا سيدفعه بدوره للتحوّل شاء أم أبى إلى موظّف أو باحث عن فرص عمل جديدة سواء على أرض الوطن أم خارجه، كما أنّه بالأساس منذ تلمذته كطالب دراسات عليا، لم يوجّه نحو البحث الاستقصائي الحقيقي، وهكذا يتمّ التّغافل عن مواكبة الجديد وتطوير آليات تفاعليّة لقراءته، حسب مناهج العالم الحديث ومدارسه النّقديّة المتطورة، وبذلك نظل نلوب في دوائر مرعبة لا تنتهي من التكرار والاستنساخ إلى أجل غير مسمّى، ولأجل ذلك كلّه، أشكر كلّ من حاول رمي حصاة في المياه الراكدة، سواء أشمل بقراءته نتاجي أنا أو نتاجات غيري، ومع ذلك أعتبرُ نفسي بمعنى ما، محظوظاً بما تمّ حتى الآن، من تسليط الضوء على مجموعاتي الشعريّة ضن المتاح والممكن، وكوني أشتغل إضافة لكتابة الشعر، بالنّقد والقراءة الأدبيّة، من منطلق الهاوي لتذوّق النقد كسلطة جماليّة تقويميّة بالدرجة الأولى، وهنا أركّز على كلمة (قراءة) بدل كلمة (النقد) لطاقتها الأشمل على إشباع النصّ بالضّوء كما أعتقد، لما تقترحه من دفء تذوّقي حرّ بملامسة النصوص، والجوس في مغاورها المعتمة، القراءة التي تنقّي النقد الأكاديمي من جفافه، وتفتّش في النصّ المقروء عن من مخزونه الجماليّ لغويّاً وأسلوبيّاً ومجازيّاً وسيميائيّاً إلخ… أيّ بطريقةٍ تنحو إلى الأدبيّة التي ترى ماء النصّ قبل طحالبه، أو تدفعها للفوران أكثر لتلفظَ طحالبها فوق السطح، تلك هي طريقتي كما أزعم، أقول بما أنّني أمارس ذلك في مقالاتي المنشورة في الدوريّات الأدبيّة السوريّة، فأنا أعلم جيّداً كم يلزم الباحث في هذه المجالات من وقت وتفرّغ واعتزال عن الواقع المعيش بالمعنى الإيجابي، لتطوير مهاراته الاجرائيّة المطلوبة، لذلك إن وجد النّقد فهو جهد فردي وأشبه بالجزر المتناثرة، وهذا لا يؤسّس لنقد حقيقي مأمول يعوّل عليه حتى الآن.
أمّا العالم الأزرق الافتراضي ، فأنا أراه فسحة حريّة هائلة التنوّع زاخرة بكلّ أنواع المعارف والعلوم، بل أعتبره من أكبر الإنجازات العبقريّة للعقل البشري الحديث، لكنّنا للأسف، نحن أبناء المجتمعات المتخلّفة والثقافة الاستهلاكيّة، إلا أن غالبيّتنا تستخدمه بما يتناسب ومستوى وعيها، القاصر. أي للمهاترات وتأجيج الغرائز بدل أن يكون هذا الفضاء الشّاسع فسحة حواريّة حضاريّة تعلّمنا فنّ الاستماع لأنفسنا، وللآخر والاستفادة من أفكاره الإبداعيّة بتطوير وعينا القاصر، بل يعتبر الكثيرون أنفسهم بأنّهم أعظم مكانة من مخترعي هذه الوسائل العالية التقنيّة، ويسخرون من تعبهم الطويل في إنجازها، بينما نحنُ نستهلكه ببساطة وبرود وبلا جهد يذكر، فلو كان هناك وعي حقيقي لدور هذه الوسائل الهائل في تطوير ثقافتنا ومعارفنا، لكانت الثمار عالية القطاف بالتأكيد، ناهيك عن إزالتها لكلّ حدود وعوائق المثاقفة مع الآخر في أيّ بقعة جغرافية كان، وتوفيرها إمكانيّة تحصيل المعلومة من قبل الجميع بكبسة زرٍّ واحدة، أنا شخصيّاً مع الاستثمار الواعي لهذه التقانة الرحبة بشتى المجالات لما توفّره من فرص هائلة للانتشار والفائدة الكبيرة، بعد أن ضاقت الجغرافيا، وتقلّص العالم بحجم قرية صغيرة.
* ما هي أمنياتك وطموحاتك ولاسيما على صعيد النتاج الأدبي؟
** بخصوص آمالنا المستقبلية فقد بدأتْ طفولتها مجنّحة، عالية، لا توقفها الريح، ثمّ ضاقت مع الزمن ومساحة العمر القصيرة، لتغدو الآن بحجم المتطلّبات الدّنيا للحياة اليوميّة للأسف، بالمعنيين الثقافي والوجودي، فالدّمار قد أحاق بكلّ شيء، لذا يجب أن نبدأ من الصفر في إعادة تأسيس كلّ شيء، وهذا أمر إيجابي، يا للمفارقة المرّة!. نعم إيجابي لأنّه يحطّم الكثير من أوهامنا الفكرية العاطفية كأفراد وشعوب، ويرغمنا على إعادة التفكير بهويّتنا من جديد، تلك الهويّة الجديرة بإعادة الإحياء والتطوير، وطموحاتي الشخصيّة البسيطة هي الإصرار على التّوازن النّفسي أوّلاً، والاستمرار في الكتابة، وتشر المجموعات الشعريّة طالما هناك مقدرة للمخيّلة على الحلم، وكذلك إصدار مجموعة قصصية كان يجب أن ترى النور منذ مدّة، ومحاولة إيجاد الوقت الكافي لعمل سردي طويل (رواية) يلحّ على الذاكرة منذ زمن، وهناك نيّة بطباعة كتاب يضمّ قراءاتي النقديّة للنّصوص الشعريّة والسرديّة، على مدى أكثر من عقدين من الزمن في كتاب، وأمّا أحلامي الثّقافيّة كإنسان يشتغل في هذا المضمار، وينتمي إلى محيط ثقافي مؤسّساتي، فأتمنّى أن تحدث صحوة مباغتة في جسد هذه المؤسّسات، تعيدها لممارسة دورها الحقيقي في النهوض بواقع الثقافة المتردّي، الذي تتجاهله لسببٍ أو لآخر، وأن تعني بشؤون أدبائها ومثقفيها قبل موتهم لا بعده، وتوفّر لهم حياة لائقة بطموحاتهم ومشاريعهم الثقافية، بتمويلها المباشر لهذه المشاريع، وإفساح المجال أمامهم للتفرّغ الكامل حتى إنجازها، وهي قادرة لو أرادت، لا أن تتسلّى بممارسة دور المحبط والرقيب عليهم، لأنّ الأدب والثقافة هما جناحا أيّ مجتمع حيويّ يريد النهوض من كبوته، والسّير قدماً، في مواكبة التطوّر الهائل الحاصل حوله، وهذا يتطلّب بالضّرورة جرعات كبيرة من الحرية، فهي الأوكسجين اللّازم لكلّ تحليق، وإلّا فالموت القسري هو من ينتظر البتلات الجديدة التي تحاول النّمو، كما حصل في المراحل السابقة وأودى بنا إلى هوّة سحيقة لا قرار لها، نعيش في جوفها الآن.
رنا عمران