وقـــــال البحــــــر …بين الشيوخ و الشباب

العدد: 9296
20-2-2019 العدد: 9296

 

كثرت الشكوى في هذه الأيام من الاتجاهات غير المرغوب فيها، والتي تسود جيل الشباب نحو كبار السن، وكذلك السخط الواضح الذي يسود الكثير من كبار السن نحو جيل الشباب، وعدم رضاهم عن غالبية الأفعال والتصرفات الصادرة عن هذا الجيل.
لا شك أن هذه الاتجاهات التي تسود كل جيل نحو الجيل الآخر تُعرض العلاقات الاجتماعية في المجتمع للتوتر والقلق، فإذا توترت العلاقة بين الشباب وكبار السن اضطربت الحياة وسادت فيها الصراعات والمنازعات والتوتر والقلق.
لعل من أبرز العوامل الهامة التي سببت هذه الاتجاهات يمكن سردها فيما يلي:
* تنمية الاعتقاد بين جيل الشباب بأنهم وحدهم فقط من يصنع المستقبل، وإغفال الدور الذي قام به كبار السن في صناعة هذا المستقبل.
*التغيير الذي يشمل كل شيء في هذا العالم الذي نعيش فيه، وهذا التغيير شمل كل شيء كالقيم والعادات ونظم الحياة، وهذا التغيير الذي أصبح يشمل كل شيء قد جعل الشباب ينظر ويتطلع لكل حديث ويرفض كل قديم، وكان ذلك من دواعي رفضهم لجيل من الناس عاشوا في الماضي.
*جمود بعض الآباء وعدم تطورهم و إلمامهم بظروف الأبناء من الشبان، أسهم في زيادة شعور جيل الشباب بأن الآباء جيل يسوده الجمود والتخلف، وكان أحرى بالآباء أن يدركوا أن أبناءهم قد خُلقوا لزمان غير زمانهم و ظروف جيل الأبناء تختلف عن ظروف جيلهم.
* اختلاط القيم بالنسبة للشباب، ففي ظل هذا العصر المتغير تغير الكثير من القيم، وحلت محلها قيم ليست أصيلة، وليست متضمنة في حضارتنا وتراثنا الثقافي، وكان من المفروض تدعيم وترسيخ القيم الطيبة في نفوس الشباب.
* عدم معرفة كبار السن لطبيعة الشباب وظروفهم النفسية والعوامل المؤثرة فيهم، أدت إلى عدم تقدير الآباء في المجتمع لظروف الشباب وعدم قدرتهم على فهم سلوكهم وحُسن التعامل معهم في مختلف جوانب الحياة.
هناك عوامل كثيرة أسهمت في خلق وتنمية اتجاهات كبار السن غير المرغوب بها نحو جيل الشباب ومن أهمها:
* تبني الشباب لأفكار وقيم اجتماعية لا يرضى عنها كبار السن لأنها تختلف عما يتبنونه، فالكثير من الشباب يرون أن مظهرهم الخارجي ونمط لباسهم يعتبر من الأمور الخاصة بهم، في حين أن كبار السن يرون أن على الشباب الخضوع للمعايير بالنسبة للمظهر الخارجي والسلوك ونمط اللباس.
* عدم تدريب الشباب وتوعيتهم بسيكولوجيا الشيوخ وأسلوب التعامل معهم، فكبار السن لهم ظروف خاصة من حيث ضعف الإنسان وفقد الكثير من قدراته، وعدم القدرة على المواجهة الانفعالية لمشكلات ومصاعب الحياة، ويتوقع الكثيرون منهم أن يجدوا من يرحم شيخوختهم ويأخذ بيدهم بعد أن وهن العظم واشتعل الرأس شيباً،
وفي واقع الأمر فإن تعريف الشباب بظروف الشيخوخة النفسية والجسدية والعقلية ، يجعلهم أكثر قدرة على التعامل معهم.
* النكوس الذي يصيب عدداً من الشيوخ ويؤدي إلى رفضهم كل جديد وكل ما يصدر عن الشباب من سلوك.
×التعميم الخاطئ من جانب بعض الشيوخ، فقد يصادف أحد كبار السن سلوكاً شاذاً أو غير إنساني صادر من أحد الشباب، فسرعان ما يُعمم ما يراه على جميع الشباب، ولعل هذا التعميم الخاطئ مرجعه إلى ما أصابهم بعد أن بلغوا أرذل العمر من جمود في السلوك والتفكير، خاصة بعد ما يكون قد أصاب المخ من وهن نتيجة لتصلب الشرايين ونقص ما يصل إلى الدماغ من دم وغذاء في هذه السن المتأخرة من عمر الإنسان.
يمكن القول بأنه هدف إنساني عظيم جداً أن يسعى كل مجتمع لإقامة سلام دائم بين جيلي الشباب والشيوخ، مما ينعكس أثره الموجب على الأسرة والعمل والمجتمع ككل، وفيما يلي عدد من المقترحات التي تعمل على تدعيم هذا السلام بين الجيلين وهي بإيجاز:
* إدراك الشباب أن الشيوخ وكبار السن في المجتمع هم الخير والبركة، وأنه لولا إسهامهم وجهدهم وعرقهم ودموعهم وكفاحهم، لما تمتع الشباب بما يتمتع به في أيامه الحاضرة من طيبات الحياة، كما يجب أن يدرك الشباب أن خبرتهم وكل ما تعلموه ووصلوا إليه هو من صُنع جيل الشيوخ وكبار السن، وليس أقل من أن يكون الإعتراف بفضل هؤلاء من خلال الرعاية والتكريم والتبجيل لهم في أيامهم الباقية.
* تزويد الشباب من خلال المناهج الدراسية بالخبرات المناسبة التي تزيد من مدى فهمهم للظروف التي يعيشها كبار السن في المجتمع، وعندما يدرك الشباب فعلاً أن تلك الأيام نداولها بين الناس، فإن ذلك سيدفع إلى تجميل لوحة المجتمع بالصورة البليغة التي رسمها القرآن الكريم لدروة حياة الإنسان على هذه الأرض.
* تأكيد روح التواضع في نفوس الشباب، فالبعض من المنابر الإعلامية تعمل على تأجيج روح الصراع بين جيلي الشباب والشيوخ في المجتمع الواحد، وتغالي جداً في إبراز دور الشباب في بناء الأوطان، بحيث يُعتقد بأن جيل الشباب هو وحده القادر على صنع الحياة وإحراز التقدم على أرض وطنه، ويتم اتهام جيل الشيوخ بالتخلف والتقوقع والجمود.
و أخيراً فلو أدرك كل فرد في هذا المجتمع بأن الشيخوخة هي نهاية مطافه على هذه الأرض، لقدم كل صور الرعاية لمن يعيشون في مرحلة الشيخوخة، فالسعادة التي يجنيها المجتمع كبيرة إذا قام فهم مشترك وسلام حقيقي بين جيل الشباب المتميز بالإقدام والقوة والحيوية و بين جيل الشيوخ المتسم بالخبرة والحكمة والبصيرة.

د.بشارعيس

تصفح المزيد..
آخر الأخبار