العدد: 9296
20-2-2019
تعدُّ البيئة الآمنة من الأولويات لقيام مجتمع سليم معافى، فهي المنطلق الأول لبناء هيكل صحي وصحيح يتدرج من الأسرة إلى المدرسة إلى النطاق الاجتماعي الأوسع، وإذا كان العنف من أهم الأمور التي تعيق هذا البناء الاجتماعي السليم فإنه من الواجب علينا جميعاً التركيز على أسبابه وكذلك التنبه لآثاره التي تضرب عميقاً في مجتمعاتنا لتطال أكثر الأماكن أهمية في عملية البناء والتنمية وهي المدرسة بوصفها مكاناً للتعليم والتربية والتنشئة السليمة، وبكونها مستودعاً ومستقراً لأهم الخامات التي تعتمد عليها الأمم في بناء مجتمعاتها، فظاهرة العنف اللا مقبول في بعض المدارس تطفو اليوم كإحدى المشاكل التي باتت تطغى على عناوين أخرى كان من المفروض أن نوجه لها كل جهودنا لحل صعوباتها والسير بها نحو الوجه الأمثل كالمناهج وتطويرها، وتأمين الفرص والوسائل المساعدة للتعليم الشامل وغيرها من العناوين، ولا نزال في كل يوم نرى تفاقماً لمظاهرها وأشكالها التي تجاوزت النوع المألوف – كالعنف من المدرس تجاه الطلبة المقصرين دراسياً أو كالعنف بين الطلبة أنفسهم – لتتخطاه إلى العنف من الطالب تجاه مدرسه والاستهزاء بالقيم التربوية ممثلة بالإدارة وكادرها، والأخطر من ذلك هو العنف بين الكادر التدريسي نفسه، والذي إن دلَّ على شيء فهو بكل تأكيد دليل على تراجع المنظومة التربوية إن لم نقل انهيارها مما يشكل خطراً محدقاً بمجتمعاتنا يتطلب الوقوف بوجهه بكل حزم وصرامة
.تُعرف الدراسات التربوية العنف المدرسي على أنه سلوك أو فعل يصدر عن طرف قد يكون فرداً أو جماعة يحدث أضراراً جسدية أو معنوية ونفسية، والعنف دليل عدم اتزان، وهو رد فعل غير سوي له عواقب جسدية ونفسية شديدة على المعنَّفِ، وسواء نظرنا إليه كنمط من أنماط السلوك، أو كظاهرة اجتماعية فهو فعل وآفة تستحق التحليل والعلاج، وحول هذه الظاهرة كانت اللقاءات الآتية..
× السيدة ريم سلمان، ماجستير علم اجتماع قالت: تعاني مجتمعاتنا من ظاهرة خطيرة وهي العنف في المدارس، وهناك أسباب كثيرة لها كعدم توافر الأنشطة المتعددة التي تشبع مختلف الهوايات والميول، وضعف المواد الدراسية، وعدم مسايرتها للتطورات المتسارعة في عصرنا الراهن، فاعتماد بعض الأساليب التقليدية كطريقة الإلقاء التلقينية والتي يلجأ فيها التلميذ إلى التشويش، وطرق التقويم المتبعة والتي ترجح التقييم الاختباري عبر المواد، وتهمل التعديل السلوكي، والتركيز على جوانب الضعف عند الطالب، والإكثار من انتقاده، ولعل أهم الأسباب هي اختلال التوازن بين التعليم والتربية، وزوال القدوة التعليمية والمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي يواجهها كل من الطالب والمدرس، وانتشار ظاهرة الدروس الخصوصية التي أفقدت المعلم هيبته، وأصبح أداة في يد الطالب وولي الأمر، ما أثر على صورته لدى الطالب، وأدى إلى انهيار نموذجه كقدوة، كلها أسباب تؤدي إلى تفشي ظاهرة العنف في مدارسنا، وهي آفة تتطلب منا جميعاً تضافر الجهود لاحتوائها وجعلها ضمن نطاق السيطرة لتبقى مدارسنا منارة للعلم ومنبراً للتربية والتنشئة السليمة .
× السيد نزار نيصافي، موجه في إحدى الثانويات العامة قال: ظاهرة العنف غير مقبولة في المجتمع ككل فكيف نقبلها في مدارسنا؟ إنها مظهر من مظاهر التفكك الاجتماعي وانعدام التواصل الصحيح بين كادر المدرسة والطلبة، ومن الواجب تفهم الطالب العنيف وتوجيهه بالشكل الأمثل لتلافي أي تنامٍ لظاهرة العنف لديه، وبالمقابل على الطالب احترام المدرسة وقوانينها وكادرها التدريسي، وبالتالي يمكننا احتواء هذه الظاهرة بعقلانية، وأحياناً بمزيد من الحزم المطلوب في كثير من المواقف التي تواجهنا في عملنا التربوي.
× الطالبة نبال إسبر، الصف السابع قالت: نعاني أحياناً من بعض التصرفات العنيفة من قبل بعض الطلبة، وهي أفعال غير صحيحة تتجلى في الكتابة على الجدران، وتكسير أثاث المدرسة، والتدافع غير المقبول خاصة أثناء الفرصة، وكذلك الضغط على البعض منا لإجباره على تصرف غير لائق أثناء الحصة الدرسية لخلق حالة من الفوضى، وعدم الاحترام للمدرسين، وهذا كله يثيره طالب أو أكثر ممن يحملون في طبيعتهم سلوكاً عنيفاً، هذا بالطبع يتسبب لنا بشيء من التشويش وعدم التركيز وتضييع الوقت، وكلنا نعلم بأن هذا التصرف غير مقبول لأنه يضرّ بالصف كله ويؤثر على سير الدروس والوقت المخصص لها.
× الطالب سامر نصار، الصف الثامن قال: لا يمكننا الفصل بين السلوك العنيف سواء أكان في الصف أو المنزل أو الشارع، فهو عنوان للتربية التي تلقاها الفرد في أسرته، وهذا ما نلاحظه في تصرفات بعض زملاء الدراسة كمظاهر قلة الاحترام للمدرسين أو الاستهزاء من بعض الطلبة، وكذلك في تصرفاتهم اللا مسؤولة أحياناً كالهروب من المدرسة، وافتعال المشاكل أثناء الانصراف من المدرسة وغيرها من أنواع السلوك العنيف، وفي مثل هذه المواقف علينا الابتعاد عن هذا النوع من الطلبة ليكونوا مثالاً للسلوك المنبوذ وغير المحبب، والتعامل معهم بوصفهم أشخاص مسيئين لنا ولأنفسهم بالدرجة الأولى.
وأخيراً: لطالما كانت التربية الرهان الاستراتيجي للعملية التعليمية، فلقد حافظت مدارسنا على مصطلح التربية قبل التعليم إيماناً منها بالتوجه التربوي للتعليم، فنحن نعلم لنربي، ولكن مع ذلك يجب الإقرار بوجود هوة بين دور التعليم وهدفه التربوي، لكننا وعلى الرغم من كل الثغرات الموجودة إلا أننا لا نغفل دور المؤسسات التربوية التي مازالت إلى اليوم تقوم بدور فعال في تربية وتنشئة الأجيال، لكن هذه المؤسسات لا تستطيع لوحدها تحمل العبء كله، في ظل تطور العوامل المساهمة في التربية وخاصة ظاهرة تقاعس الأسرة وتأثرها بالمظاهر السلبية التي تقدمها وسائل الاتصال، وبروز أشكال جديدة من الانحراف السلوكي في المجتمع، بل يجب البحث عن طريقة جادة فعالية لتفعيل دور خلايا العمل الاجتماعي، وتعزيز مفهوم التشاركية في تحمل أعباء الدراسة والتربية كي لا تتحوّل المدرسة من بيئةٍ تربويّةٍ وتعليميّةٍ إلى بيئةٍ تنشر العنف إلى خارجها في حال تمادى هذا العنف دون رادعٍ ومعالجةٍ من أصحاب الشأن وذوي الخبرات في مجالي التربية والتعليم على حد سواء.
فدوى مقوص