العدد: 9296
20-2-2019 العدد: 9296
إن مسألة العلاقة بين القانون الوضعي وحقوق الإنسان أياً كان هذا الإنسان (رجل, امرأة , طفل) تطرح علينا أسئلة جوهرية ذات أبعاد إنسانية واجتماعية خطيرة ودقيقة, تبدو واضحة جلياً على الصعيد النظري, لكنها لا تبرز وتطفو على السطح عملياً إلا عندما يكون هناك تعارض أو تناقض ما بين تطبيق القانون ومبدأ من مبادئ حقوق الإنسان الأساسية.
وهنا يبرز سؤال هام لابد من الإجابة عليه: لمن نعطي الأولية: للقانون وتأكيد أسبقيته على ما عداه, وإن وجد فيه ما يسيء لحق فردي أو جماعي؟ أم ينبغي في هذه الحالة تعطيل القانون الذي يتعارض مع الحقوق الأساسية للإنسان ومقتضياتها درءاً لمفعوله السلبي عليها؟! بهذه المقدمة والتساؤلات استهل الدكتور عدنان بيلونة محاضرته التي حملت عنوان: (المرأة السورية وقانون العقوبات) وذلك في صالة الجولان بمقر فرع اتحاد الكتّاب العرب في اللاذقية.
بداية أكد المحاضر إن الدستور السوري أعطى لمواطني الجمهورية العربية السورية حقهم في ممارسة حريتهم كحق مقدس, معتبراً الديمقراطية الشعبية هي الصيغة المثالية التي تكفل للمواطن ممارسة حريته, والتي تجعل منه إنساناً كريماً قادراً على العطاء والبناء والدفاع عن وطنه والتضحية في سبيل أمته (دستور صادر عام 1973) كما كفل الدستور حقوق المرأة السورية كاملة في المادة ( 25-26-27-44-45) ورأى د. بيلونة أن هذا الدستور تفوق في حينه على دساتير أرقى الدول في العالم, لكن تتناقض مع مواد التشريع الجزائي في قانون العقوبات السوري كالمادة (437-475-477-489-508) وغيرها مواد أخرى كثيرة.
فمن وجهة نظر المحاضر، أنه كان من المفترض على فقهاء القانون السوري تعديلها أو إلغائها خاصة المادة الأخطر رقم (548) من قانون العقوبات والتي باتت معروفة عند القضاة والمحامين والمواطنين السوريين بأنها خاصة بما أسموه (جريمة شرف) هذه التسمية غير متجانسة لا قانونياً واجتماعياً، وأوضح د. بيلونة النص القانوني لهذه المادة أولاً: يستفيد من العذر المحلّ من فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو أحد فروعه أو أخته في جرم الزنا المشهود فأقدم على قتلهما أو إيذائها أو على قتل أو إيذاء أحدهما بغير عمد، ثانياً: يستفيد مرتكب القتل أو الأذى من العذر المخفف إذا فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو أخته في حالة مريبة مع آخر، ورأى بيلونة أن هذه المادة تحوي تمييزاً واضحاً ضد المرأة ومظهراً من مظاهر العنف القانوني ضدها.
ولخص أسباب ذلك في أربعة أمور: أولاً القتل وفق القانون الوضعي جريمة نكراء يقوم على قصد جنائي خاص هو نيّة إزهاق الروح.
فالقتل هو القتل بغض النظر عن دوافعه التي لا يجوز أن تعطل القانون وتؤثر على نزاهته.
ثانياً: كافة الأديان والشرائع السماوية تحرم القتل بوصفه اعتداء على الحياة الإنسانية التي منحها الله للإنسان.
ثالثاً: في الديانة المسيحية رفض كامل لمثل هذه الجرائم السيد المسيح (عليه السلام) يقول: (من كان منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجرٍ) فلا يحق لأي شخص أن يحاسب شخصاً آخر، والقاتل يجب أن يحاسبه القضاء لأن النفس هي ملك لباريها، وكل الأديان دعت إلى التسامح ونبذ العنف.
رابعاً: الدستور السوري نصّ على أنه لا يجوز إنزال أي عقوبة أو تدبير بحق أي شخص إلا بعد تعرضه لمحاكمة عادلة، والهيئة الوحيدة المخولة بإصدار العقوبات هي القضاء ويرى المحاضر: أن المادة /548/ أعطت المجرم سواء كان (الزوج أو الأخ أو الابن أو الأب) الحق بأنّ ينفذ عقوبة الإعدام بحق مرتكبي الفعل وأن يلحق بهما الأذى دون أن يلحق به هو أي عقاب وهذه مخالفة صريحة للدستور.
اختتم المحاضر د. عدنان بيلونة محاضرته بالقول: الشرف الحقيقي هو شرف الإبداع والابتكار بما يسمو به الوطن والمواطن، هو شرف الصدق والأمانة، هو شرف الدفاع عن الوطن والسعي لنهضته ورقيه.
رفيدة أحمد