العدد: 9296
20-2-2019 العدد: 9296
هناك دوافع في النفس والطبيعة البشرية، ففي الحياة الاجتماعية اليومية يستوقفنا الكثير من سلوك بعض الناس، رجل متفاخر، سيدة مغرورة، لا يعكسون في سلوكهم وتصرفاتهم رتابة وشياكة مظهرهم، يظهرون السلوك النافر الشاذ البعيد عن الذوق العام والنواميس الاجتماعية المتعارف عليها وفق رؤيتهم للأشياء من منظورهم ذي العدسة الواحدة الأحادي الرؤية، يعشقون الظهورات الضوئية والضوضائية ويتمرغون بترف لامحدود ولامتناهٍ متأنقين إلى حد الثمالة ومتعطرين إلى حدّ الاختناق، بينما هناك معدمون يسكنون أقبية لا تصلح مأوى للبهائم تعصف بهم فقراً وعوزاً.
في الحياة آداب عامة لا تحتاج إلى قوانين وإجراءات مكتوبة وروادع وزواجر مخطوطة، ومن طبائع بعض البشر التعطش للظهور والبذخ بمقدار خوفهم من النقد والتجاهل والركن في الظل، وما نراه الآن هو انتشار التصرفات السلبية الناشزة، والنافرة والمنفّرة في مسيرة حياة الكثير من الناس كهدر الأموال على أمور ليست ضرورية ولا من الأساسيات أو الكماليات، واقتناء السيارات الفارهة والتجول في الأحياء الشعبية البائسة على مرأى جيران الأمس، وممارسة الفرح الباهظ الباذخ وصرف مئات آلاف الليرات كلفة صاخبة وموائد وخدم وحشم بين جدران المطاعم المتلألئة بالنجوم وضجيج الإنفاق والهدر بمناسبة أو توديع واستقبال سنة جديدة.
هناك الكثير من الرجال الانتهازيين المغمورين الذين أثّروا بعيداً عن عين الرقيب والقانون بسبب الحرب واستغلالهم للأوضاع الاقتصادية الصعبة والأعباء المعيشية القاسية على المواطنين، بعد أن كانوا يبيعون الأشياء البسيطة على البسطات ويدورون في الشوارع لشراء الخبز اليابس والأدوات البلاستيكية المهترئة (القراضة) صاروا الآن على رأس هرم الطبقات الاجتماعية ويبذخون ويبذرون يُمنة ويُسرة بسبب أو بدون سبب، ليزداد الشرخ اتساعاً والتباعد عمقاً في المستوى المعيشي بين غني يزداد غنى وترفاً، وبين فقير يزداد بؤساً وعدماً، أموال جنوها بالتحايل والمضاربة والكذب والنصب والاحتيال والمقامرة والمغامرة ورفع الأسعار والغش والسرقة والسمسرة وبعضهم سرقة المال العام.
هناك وحدة عضوية بين التصرفات ومستوى الوعي والثقافة العامة وهي من علامات التحضّر والتمدّن، بعض السفلة من أصحاب الأخلاق الدميمية غيروا لحاهم ولباسهم وحلاسهم ولهجتهم وجيرانهم وأصدقائهم القدامى يتبخترون برؤوس عالية لا ترى أحداً وأحذية لامعة مستوردة بين الناس البسطاء في استعلاء وزهو كالديك المنفوش المغرور، مع أن نعمتهم وملعقة ذهبهم مسروقة من أفواههم، وهناك نسوة يتعمّدن الإنفاق غير المحدود على الموضة واللباس الفاخر من أفخم الماركات الأوروبية والشعر والتسريحات والمكياج وعمليات الحقن والتجميل بأسعار خيالية، ليظهرن بين الفقراء بشياكة عالية وأناقة لافتة وعطر فواح وكعب عال وأنف مرتفع فلسفة الحياة تحتاج إلى الكثير من الصبر والتأني وإيقاظ الطاقات الإيجابية لإسعاد الآخر والقيم الأخلاقية والسلوك السوي والنظرة بشيء من التواضع هم جوهر السلوك البشري وأهم محدداته وموجهاته، وإن إعادة البيئة القيمية والسلوكية والاعتدال أمام الناس ومحاكاة أوضاعهم صارت حاجة ملحة لمواكبة تطور الحياة وحاجة نهضوية لابد منها لإعادة إعمار البشر والحجر ونشر الرقي في المجتمع.
سُنة الحياة أنها ستمضي بين ثراء وصخب، وترف وفقر وهشاشة وبؤس..
نقول للمترفين الباذخين أما أعين المعوذين البسطاء إن القيم لا تكتسب بالولادة والوراثة، بل تتطور حسب التربية والثقافة العامة والبيئة الاجتماعية وإن السلوك السيئ يصنع مجتمعاً سيئاً..
منى الخطيب