«.. صبـّي ولّا بنت.. شـــو قـــولك يا ربـّــي»

العدد: 9296
20-2-2019 العدد: 9296

ليس من دراسات نبتت في أرض الواقع تؤكد حقيقة انتشار عقم لدى الشباب، وجدتي تكاد تفقد صوابها كلما رأت أحفادها، وتستطير بغضبها لتنادي بأولادها وتقول: ربيتكم عشرة وما عندي غير خمسة أحفاد (ما أغلى من الولد غير ولد الولد) أريد أولاداً يملؤون دنياي وخطواتهم في الدار تعلو صخباً وبهجة وحياة.
نرى الأولاد بقلّة في الحي الذي نسكنه وحتى القرية التي نزورها، وعائلات بقحط وسحق لتقتصر على الزوجين، كما أنه يستوقفنا للتفكير ما نجده في عيادات أخصائيي التوليد وغرف الانتظار، نساء ينكبنَ على سؤال الطبيب سبب استحالة الإنجاب عندهن والصحة عال العال، ليكون طفل الأنابيب تحت مجهر الاختيار والاختبار، لتنتقي (ولداً أو بنتاً) وبأي لون كان.
تشير (لما)علم اجتماع، إلى أن غالب الأسباب ليست مرضية ولا تتطلب العلاج، وإنما الظروف القاهرة التي يعيشها شباب اليوم من أوزار حرب دفعتهم للتخلي عن فكرة الإنجاب، ومنها اندفاعهم لتلبية نداء الوطن والدفاع عنه، كما انشغالهم بالسعي وراء الرزق وأسباب العيش والحياة، والغلاء الذي ضرب بأطناب أحلامهم، وأيضاً اقتناع بعضهم وبعضهن بالدراسة والفوز بلقب دكتور وأستاذ، فلا يكون لديهم القدرة على تحمل مسؤولية تربية الأولاد، بل تكيّفوا مع الحياة بلا أولاد، وإن ارتفع منسوب (أدرينالين) السعادة لديها فتكون فطرة أمومتها (ولد وإلا بنت) فقط.
كما أشارت إلى أن بعض الدراسات العلمية أكدت إلى أن التغذية والسمنة وبعض العادات الخاطئة مثل قلّة الحركة وتناول الوجبات السريعة والأركيلة والمشروبات الغازية والقهوة بكثرة جميعها تقف وراء حدوث العقم، وأيضاً المبيدات الحشرية والمنظفات وغيرها، حتى وصلت إلى أن ارتداء الملابس الضيقة وبنطلونات الجينز كانت أحد أهم أسباب العقم عند شباب اليوم، وأسباب أخرى تأتي من ساعات الجلوس الطويلة على كرسي المكتب، لكن ليس للكعب العالي أن يكون سبباً فيه.

كما قصدنا دائرة النفوس التي تقع على الطرف الآخر من مبنى الجنائية، وعلمنا منها عدد الولادات الحاصلة خلال العام الفائت 2018 فقد بلغ فيها عد ولادات الإناث 1635 وعدد ولادات الذكور 1675 ( انبسطوا يا رجال، الصبيان أكثر من البنات) وهي تشمل كل من الأحياء التالية: بسنادا، الدعتور، المنتزه، قنينص، بساتين الريحان، تشرين، جامعة تشرين، البعث، الثورة. 

ماري شابة جامعية تدرس الفلسفة سنة رابعة، أشارت إلى أنها تزوجت منذ ثلاث سنوات بشاب درس في كلية الحقوق والتحق بصفوف جيشنا البطل، وهي تريد أن تكمل دراستها وتأخذ الماجستير وحتى الدكتوراه, ولا تريد أن تلتهي عن درسها بالأولاد، خصوصاً وأن ليس بجانبها أحد من عائلتها، وزوجها على الجبهات ولا يعلم أحداً ما يمكن أن تأتي به الأيام، فهي تؤجل الولد لحين عودته سالماً ليعيشا سوياً ويتحمل معها مسؤولية الولد.
حلم كل زوجين ولد لكن ليس منهم أبا أسامة الذي قال: تزوجت منذ خمس سنوات ولم أفكر يوماً بولد، ولادته عسيرة على الحالة المعيشية التي نعيشها، فأنا موظف صغير وراتبي لا يتجاوز 35 ألف ليرة، زوجتي لا تعمل غير أعمال منزلها، ولا أخفي بأنها (تنقّ) علي لأجل الأولاد، وأنا في نفسي الأمر، لكن أن يأتي الولد ويعاني معنا متاعب العيش والحرمان فهذا حرام.
وأيضاً حلم السيدة مها التي رزقت بولد بعد أكثر من عشرين عاماً، فهي كما قال لها الطبيب تعاني من حالة مرضية صعّبت عليها الإنجاب، وزوجها الذي أحبها لم يتركها ووافق على ما قدره الله لهما، لكن زميلاتها في الوظيفة وناسها من حولها لم يتركوها لشأنها وكانوا يدفعونها لطبيب هنا وآخر هناك، وهي تأخذ العقاقير خضعت لجراحات عديدة ولم ينفعها شيء, وبنهاية المطاف لم تجد أمامها غير طفل الأنبوب، والذي كلفها قرض تسليف وجمعية مع زملائها، بداية رفض زوجها قطعاً هذا الحل، لكن ملاحقة والدتها له وزياراتها المتكررة دفعته لقصد عيادة طبيبها والذي نصحه بإجراء عملية طفل أنابيب وحتى لو فشلت فإنه يمكن أن يحصل حمل طبيعي بعد أشهر قليلة، حيث قالت: كان فعلاً أن حصل الحمل ورزقت بولد والحمد لله وهو في الصف الأول وكنت قد حملت بعده لكني أجهضت، فوقت وظيفتي طويل كما راتبانا لا يكفيان لنهاية الشهر ولا لنصفه، فكيف لنا أن نصرف على طفل آخر ونحن نعاني القلة والحاجة؟
الرجل قطعاً يرفض أن يذهب لعيادات أطباء التوليد ويدفع بزوجته إليها، لنرى في زيارتنا لبعضها أنها غصت بالنساء وعلى امتداد أكثر من صالة انتظار وعلى الباب يمكن أن ترى رجلاً متوتراً أو اثنين في جيئة وذهاب.
سعاد قالت: لم أهتم يوماً بالحمل والإنجاب وكنت راضية بما قسمه الله لي، لكن (نقّ حماتي) نغص عيشنا وقضّ مضاجع أحلامنا ومستقبلنا، لتدفعني إلى الطبيب، وكنت قد اقتنعت بأني صاحبة المشكلة خاصة أن زوجي يرافقني في كل مرة وهو ما اعتدته ولم أشاهده في العيادة، حيث كلهن زائرات ومراجعات، لكني فوجئت بالتحاليل أمامي صدفة وتكشف لي منها بعد سنوات من القهر أن زوجي عقيم ولا ينفعه علاج لكنت صبرت عليه، وهو الذي لطالما أهانني وجرحني بافترائه الذي نشره بين جميع ناسنا وأهلنا أني السبب وهو يصبر علي، عندها طلبت الطلاق وبعد سنة وأخرى تم ذلك، وتزوجت برجل آخر وأنجبت بنتاً وصبياً والحمد لله.
أسباب العقم لدى الزوجين قد تكون صحية أو عيوب خلقية أو الاكتئاب أو الإدمان وغيرها، وتقول المعلومات إن نسبة العقم عند النساء أكبر منها عند الرجال، كما أن ما يتجاوز 10% ليس فيها سبب واضح للعقم، أي أن هناك أزواجاً ليس لديهم أية مشاكل أو أسباب صحية ولكنهم لا ينجبون، كما حصل للسيدة فريال والتي قالت: تزوجت بالشاب الذي أحببته قبل الحرب بأيام وهو موظف في المدينة التي استأجرنا فيها، لكن عيشنا استحال عندما بدأت شرور الحاجة والسؤال، عندها تعلمت الزينة والماكياج وحتى قص الشعر والصبغات، وعملت في أحد الصالونات وكان الأجر جيداً، لكني أرجع إلى البيت منهكة وقدماي من الوقوف الطويل تؤلماني، ولم أنتبه لمرور السنوات التي لم تسفر غير القيل والقال ودون أولاد، عندها جفت علاقتنا وبردت مشاعرنا وتصالحنا على رأي واحد بالانفصال، وكان بلمح بصر الفراق وكأنه شيئاً لم يكن بيننا، وبعد سنة وبعضها تزوجت وأنا حامل اليوم في شهري السابع، وكذلك زوجته حيث سبقني بسعيه للزواج مرة أخرى، نحن لم نفتش عما أعاق وحال بيننا الإنجاب والأولاد ولكننا يوماً قصدنا الطبيب وأخبرنا أننا أصحاء.
في دار الأيتام لنا طفل
السيدة ميس بقيت لأربع سنوات دون أولاد ولم تكن لترضى بالواقع وهي تزوجت متأخرة وخشيت أن يفوتها العمر دون تحقيق حلمها بولد، فأفصحت لزوجها بما في داخلها ووافقها الرأي، بأن تحضر طفلاً صغيراً من الميتم يملأ أيامهما فرحاً وهناء، وكان لها ما أرادت ربته وكبر هشام وأصبح شاباً اليوم بعمر العشرين عاماً، وتسعى لتزويجه فهي تحب أن ترى لها أحفاداً ففيهم العز والجاه.
وهو أيضاً ما يراه أبو هبة، متعهد بناء والذي أشار إلى أن الأولاد زينة الحياة الدنيا، وأجملها ابنته هبة الوحيدة لتعيش بعز ورخاء وسعادة ولا يشاركها أحد بورثة أبيها، فقال: ابنتي ليست وحيدة طالما أن لها ثروتي كلها والجميع يود رضاها، أظنني أوصلتها بر السعادة والأمان.

هدى سلوم

عند زيارتنا دائرة نفوس جبلة أفادتنا السيدة صفاء سليمان بالآتي في سجلات الولادات خلال عام 2018بلغ عدد الذكور 1194،و الإناث 1027.
بعد تزويدنا بهذه الإحصائية عن تفاوت نسبة الإنجاب قبل الأزمة وبعدها بأرقام متفاوتة والكبرى كانت قبلها ، وحملت ذلك لعدة أسباب منها: السفر خارج القطر، وعزوف بعض الشباب عن الزواج أو خوفاً من الإنجاب وترك أطفالهم يصارعون الحياة، وعدم تواجدهم في المنزل ولعبت دوراً كبيراً الحالة النفسية التي سيطرت بشكل عام، وتابعت أما عن الإحصائية لسنوات قبل الأزمة: 1999 كانت نسبة الولادة 3000 ولادة، و2013 النسبة 2816 ولادة ،2016 3171 ولادة.
وحول هذا الموضوع كانت الآراء التالية:
السيدة لما غصون: الأمومة شعور جميل جداً ولكن ليس بمقدور الجميع ان يعيش هذه الحالة، أنجبت ولدين ولم أستطع أن انجب أكثر بسبب الظروف المادية ، فنحن نعيش على راتب واحد لذلك قررنا الاكتفاء بهذين الولدين وتأمين مستوى معيشي جيد بالإضافة إلى تربيتهم وتعليمهم وتأمين متطلباتهم.
السيدة حسنة مرعي أم لعشرة أولاد وهي سيدة في السبعين من العمر قالت:
قديماً كنا نحب إنجاب الأولاد كثيراً غير آبهين لما سيحدث بهم من أجل أن تصبح العائلة كبيرة وللمساعدة في أعمال الزراعة والأولاد يهتمون ببعضهم ولم نجد مشكلة في تربيتهم والاعتناء بهم عملاً بمقولة « الأولاد يأتون وتأتي معهم رزقتهم».
السيد ياسر: الأولاد زينة الحياة وهنيئاً لمن يستطع إنجابهم والاهتمام بهم، رزقت بطفلة منذ ثماني سنوات، وبعدها زوجتي لم تستطع الإنجاب، وحاولنا كثيراً بلجوئنا إلى الأطباء، وكنت على استعداد لفعل أي شيء من أجل إنجاب مزيد من الأولاد، لكن لم يُقسم لنا إلا بهذه الطفلة أتمنى ان لا تبقى وحيدةً.
السيدة إناس: تزوجت منذ خمس سنوات وحتى الآن لم أرزق بولد، ذهبت إلى الكثير من الأطباء أجمعوا على أن حالتي النفسية غير مستقرة ولا تساعد على الإنجاب وأعيش على امل ان تتحسن حالتي ويصبح عندي أولاد أرعاهم وأهتم لشانهم.
السيدة ريم: منذ طفولتي كنت أحلم ان أصبح أماً، أحب الأولاد كثيراً وبعد زواجي بسنين اكتشفت ان زوجي لا يمكنه الإنجاب، بدايةً تأثرت لحرماني من هذا الشعور وبعدها قررت أنه قدري ويجب أن أعيش كما أراد الله وأصبحت في الخمسين من عمري، وما ندمت يوماً لأن زوجي كان بالنسبة لي الزوج والابن وعوضني عن هذا الشعور وتقبلت الواقع بصبرٍ وإيمان.
السيدة كلوديا ابراهيم: أصبح عمري 45 سنة ، في بداية زواجي أجريت لي عملية جراحية من أجل الإنجاب ولكن بخطأ من الطبيب تحولت الأمور إلى الأسوأ ولم يعد بإمكاني الإنجاب وأنصح بالحذر لأن هناك بعض الحالات لا تحتاج إلى جراحة، ولكن جشع بعض الأطباء يدفعهم إلى هذا الحل وتصبح الحالة مؤسفة.

معينة أحمد جرعة

تصفح المزيد..
آخر الأخبار