الغباء .. عندما يكون إلى حدّ الهبل

العدد: 9513

الاربعاء:22-1-2020

 

الإنسان ابن البيئة والوراثة وأفكاره محصلة للتفاعل بينهما، وكل إنسان يتمتع بمقدار معين من الذكاء يتميز وتختلف كميته من إنسان إلى آخر، وعندما ينحدر نصيب الإنسان منه إلى ما دون الصغر ينحط ليقترب من السلوك المتوحش والشر والرذيلة والجريمة، والمتعلم والغبي على طرفي نقيض في النظر إلى أمور الحياة والعمل… فهل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟

الغباء داء قاتل يتفشى في جسد وأوصال المجتمع ولا بد من استئصاله، الأغبياء نمط شاذ غريب من البشر في سلوكهم وتفكيرهم، عقول عفنة متخلفة متخشبة بدائية غوغائية تنعق فيها أشباح اليأس موصدة كبيوت الموتى جديرة بالدفن في أعماق المستنقعات الآسنة، وأصحابها يهتمون بقشور الأمور ويتركون جوهرها يعيشون الكوابيس السوداوية في رؤيتهم ورؤياهم، وليسوا أكثر من أفواه تأكل، وأنوف تستهلك الهواء، ومصانع روث متنقلة.
الغبي يعيش خارج حدود زمانه غير قادر على التلاؤم والتكيف، ينهش ذاكرته الفراغ والخواء والحبر جف في قلمه، كالأعمى الذي لا يبصر ما يقبع أمام وخلف ظاهر الأشياء، لا يعرف ما يفيده مما يضره، يدور حول نفسه ولا يحرث حين يحرث إلا في البحر، يعيش على هامش الحياة كالزائدة الدودية الملتهبة في الجسد يجب استئصالها.
الغبي يفعل الشيء غير المناسب في الوقت غير المناسب، كمن يدخل كعبه في البوط أولاً بدلاً من أن يزلق مشط قدمه، يقفز من أزمة إلى أزمة ويعود خالي الوفاض دائماً بعد أن يضل وسط الرمال المتحركة والحسابات المتضاربة دون أن يمر بأي حل، يضحك إلى حد الهبل ولا يعرف أبداً معنى للهموم في هذه الدنيا، وخطابه هذر وصراخ طنان رنان كسراب وغيوم بلا مطر وثرثرة جوفاء مقيتة، لا يعرف موقع رأسه من قدميه ولا يفهم ما يطوره مما يدهوره، كمن يبحث عن ظله في يوم غائم ماطر وصوته كالصارخ في البرية دون صدى، يتميز بسهولة انجراره إلى الأعمال السلبية الضارة بالمجتمع مثل السرقة والجريمة والانحراف والتطرف والعنف وطباعه بين الناس آية من آيات الشكاسة والصلابة والتعنت والعناد، وأعسر من الحديد يطرق وهو بارد، (يترس) بالجهالة كمن يقاتل تحت راية عميّة كمن يشهر سيفاً صدئاً ويهدد الناس بالويل والثبور وعظائم الأمور، رأسه كصندوق مغلق مقفل مختوم بالشمع الأحمر، يجري وراء الأشباح التي تنقر عقله ولا يلامسها.
العقلية العربية ميالة دائماً نحو الانغلاق وتسكير الأبواب أكثر من فتح النوافذ عقلية الأكواخ الهشة ومبادئ التنك وعقائد الصفيح التي تطير مع أول نسمة هواء تهب من أي ناحية من الأرض، والخراب ينتشر كالتثاؤب بالعدوى والدمار يتناقل مع السعال، العالم يتطور ويسابق الزمن للقفز من الحاضر إلى المستقبل ويختصر المسافات، بينما المجتمعات العربية تغوص في الماضي، يعيشون غباء يواكب تقدم هذا العصر، يغطون به مساحات مرعبة في بيداء التصحر العقلي والروحي والرؤيوي، يريدون إعادتنا إلى عصر الجاهلية الأولى الذين كانوا يأكلون أصنامهم حين يجوعون.. فكيف تخرج من هذه الكهوف التي تفقس وتفرخ كل يوم آلاف الثعابين والخفافيش التي لا تعرف إلا الجحور والظلام، وتخرج من هذا المستنقع الذي نتخبط وندور فيه إلى ما لا نهاية…؟
الإنسان بطبيعته لا يدرك مكمن الخلل في عقله وتفكيره ويعتقد بأنه يمتلك من الخيرات ما يؤهله ليكون في مصاف العقلاء والحكماء، نحن نعيش في زمن أطاح فيه الغباء بالكثير من العقول المنافسة شرسة بين النور والظلام الذي يوجعنا ويدهورنا ويؤخرنا ويشل حركتنا ويفرمل تقدمنا، ناهيك عن نظرته الدونية للمرأة على أنها خلقت للحب والبيت والأولاد، لا أن تتعلم وتفهم وتعمل وتبني، في الكثير من البقاع على الأرض العربية ، النور الذي يمثل قدرة الإنسان على توليد الضوء لطرد الظلام وحصره في الزاوية الضيقة وتوجيه كيانه ووجوده ومصيره نحو الأفضل… فلماذا نطمس طريق الارتقاء بركام الهبل وقاذورات الغباء!

نعمان إبراهيم حميشة

تصفح المزيد..
آخر الأخبار