العدد: 9510
الاحد:19-1-2020
معللتي بـ (الوصل) والموت دونه، لكم هي رائعة نفحات التوق بين أربع كلمات وفواصلها، ويا لفظاعة ما يأتي بعدها (إن متُّ ظمآن فلا نزل القطرُ)!
هي حياتنا هكذا، بغض النظر عما رمى إليه (أبو فراس الحمداني)، ننحدر فجأة من قمّة الإنسانية إلى درك الأنانية، والأبشع من هذا نصدّق أننا على صواب!
جلس (ويجهل عدداً كبيراً من الموجودين في الجلسة معه)، وراح يستعرض في مرآة نفسه كلّ ما هو جميل ومتميّز، وكأنّ الله خلقه وكسر (القالب) من بعده!
التزمتُ الصمتَ، ولم أستطع مجاملته رغم أنّه حاول استدراجي إلى هذه الضفّة، وحاول لاحقاً أن يخفي امتعاضه منّي، حتى أنّه تجاهل مصافحتي (أنا وحدي) حين انصرف!
***
هناك، عند ذلك المنعطف الذي يشبه أفعى مسرعة، تذكرتُ أني غرستُ ذات طفولة حلماً من وهج ونار، تواعدنا لأول لقاء كما يفعل العشاق، اكتشفت غبائي فوراً، فبدل أن أكلمها وأطلق مشاعري لها بحضرة الريح، أعطيتها رسالة، ونسيت أن أعطيها (علك الغندور) الذي اشتريته خصيصاً لهذه المناسبة، كانت تصغرني بسنة ونيّف، وبعد أقلّ من شهر رأيتها عند ذات المنعطف مع شاب يكبرني بخمس سنوات، فُكّت عقدة لساني، عاتبتها، قالت: يا ولدي مشوارك طويل، (ومو خرج، بكرا بخطبك بنتي)، ومن يومها أشعر أن ذلك المنعطف يلدغني كلما اقتربت منه، وذات صدفة جمعتني بها بعد عقدين من الزمن، قالت لي إنها (مطلقة)، وأنّها تحنّ إلى ذلك المنعطف!
***
أبت إحداهنَ إلا أن تكون قبيحة، صحيح أنّها تصرف يومياً أكثر مما تنتجه على (مكياجها)، لكن سماكة ذلك الطلاء على وجهها لم يزدها إلا قبحاً.. هي أنثى على بطاقتها الشخصية وحسب، وما عدا ذلك إضافات لا قيمة لها، ما أحوجنا في مثل هذه الأيام (الباردة) إلى جمال حقيقي بغض النظر عن جنسه أو لونه، المهم أن يأتي بلا مساحيق، أن يهطل في أوردتنا فسحة حبّ وتموّج دفء، لا رجفة خوف ولا ارتعاشة ألم!
هذه الـ (إحداهن)، وبعد فوات الأوان فتحت دفتر ذكرياتها وقرأت: (… كان الجمال يوماً وكنّا، هبّت ريح صفراء لا أعرف من أي جهة، لفحت وجهي، ولم تعد عنادل الهوى تجوب حول كرومي، إنّي الآن مجرّد حكاية لا يسمعها غيري).
***
لماذا لا يصيب النباتات البريّة أي مرض، وتنمو في مختلف ظروف الطقس؟ أليس عجيباً ما فعلته يد الإنسان بكلّ شيء؟
كانت أمّي (أطال الله بعمرها وبعمر أمهاتكم وأمهاتكن)، تقول لنا: لا أحد يقطف بندورة عن هذه (الشتلات)، سننزع بذور ثمارها من أجل زراعة الموسم القادم، وفعلاً كانت تعصرها وتستخرج بذورها وتغمسها بـ (الصفوة، الرماد)، ونعيد دورة الإنتاج، وهكذا، ويأتي الموسم التالي أفضل من الحالي، أما الآن فنأتي بالبذر من هولندا وكلّ بذرة بـ (100) ليرة، ومع هذا لا يعرف المزارع كيف يجابه أمراضها!
***
لماذا كلّ هذا التنقّل من مكان لآخر، ومن حكاية إلى غيرها؟ حياتنا تلبّدت بـ (غيوم) لم تمطر فينا إلا ضياعاً وغربة في أدقّ التفاصيل..
لن نعود، فالماء المنسكب في البحر لا يعود إلى الجدول الذي أتى منه، وكلّ فلسفة الدنيا عاجزة عن شرح أو تفسير هطل الدمع في لحظات الفرح، أو كيف تستسلم فتاة صغيرة ليد أبيها السارحة في شعرها، هي الحالة فقط، وكلّ الشروح المتراكمة مجرد (كلام فاضي)!
***
في زمن البرد، لا تشكو لأحد عواء الريح لأنه سيشكو لك أنين الصقيع، كن (قرمة حطب كبيرة) قادرة على زراعة الدفء في كلّ الاتجاهات…
خاطب من تحبّ كما خاطب أبو فراس ابن عمه سيف الدولة:
ليتك تحلو والحيـــــــــــاة مريرة
وليتك ترضى والآنـــــــام غضاب
وليـــــت الذي بيني وبينك عامرٌ
وبيني وبـــــين العـــــــــالمين خراب
غــانــم مــحــمــد