إبراهيم بركات جديد و«شجـــاعة امــــرأة» بين دفــتي كتـــاب

العـــــدد 9509

الخميـــــــس 16 كانون الثاني 2020

 

كما يقال: «إن الإغراق بالمحلية في الفنون، هو ما يوصلها إلى العالمية»، مع الأخذ بعين الاعتبار طريقة تسويق العمل و آلية التعاطي مع أي طرح فكري وظروفه ومقدار انتشاره «شجاعة امرأة» عمل روائي للكاتب إبراهيم بركات جديد وهو العمل الروائي الثاني بعد روايته الأولى( حياة متدرج)، وشجاعة امرأة نستطيع أن نعتبرها حالة تأريخية وتوثيقية لمرحلة زمنية عاشها المؤلف بكل ظروفها وجدليتها والتي وإن كانت أحداثها محلية إلا أن الجو الفكري الذي كان سائداً، مع انتشار الأفكار الوجودية وقتها هو ما ميّز مرحلة عالمية كاملة وقتها، وهذا ما انعكس على منطقتنا العربية وخاصة بعد تاريخ مفصلي لسورية بنكسة حزيران مع كل التداعيات النفسية والفكرية التي لحقت بها .في لقاءاته الدورية الشهرية التي تقيمها نقابة المعلمين بشكل دوري ومع مؤسسة نشاط (بين دفتي كتاب) التربوية رحاب جعبري رئيسة شعبة المنطقة لنقابة المعلمين كان لرواية (شجاعة امرأة) موعد مع لفيف من المثقفين السوريين في قراءة تحليلية عميقة لكل سطر وحدث وشخصية فيها… كانت البداية مع التربوية رحاب جعبري التي رحبّت بالحضور قائلة : في كل مرة نختار فيها موضوع القراءة ونقاشها ، وهذه اللقاءات التي تصبّ في محور الفكر والثقافة وكما هو دائماً دور القراءة في إغناء الروح الفردية والجمعية بشكلهما المتبادل دوماً، واليوم نضع هذه الرواية للكاتب إبراهيم جديد بين (دفتي كتاب ) قبل البدء بفتح الصفحة الأولى للرواية كان البدء مع ابنة الكاتب رغداء جديد في لمحة تعريفية عنه وعن حياته التي قالت عنها :»والدي من مواليد القرداحة عام 1953، له من الأولاد تسعة توفي منهم ثلاثة ، ورغم أنه كان من عائلة إقطاعية أو بالأحرى أميرية إلا أنه كان محارباً للإقطاع ورموزه ومحباً للفقراء متعاطفاً معهم، تطوع في سلك الجيش وشارك في جميع التي خاضتها سورية، وبحكم طبيعة عمله العسكرية دفعه للانتقال والعيش في دمشق، حصل على الشهادة الثانوية ودخل جامعة دمشق اختصاص علم نفس، لكنه لم يكمل بسبب ضياع أوراقه، كتب في خمسينيات القرن الماضي في مجلة الجندي العربي ومجلات أخرى، كتب روايتيه ( حياة متدرج، وشجاعة امرأة) في ستينيات القرن الماضي ، ناقش فيها وضع المرأة وحريتها وارتباط كيانها مع الوطن في علاقة جدلية، حفزّه لإعادة إحياء الكتابة، علاقته مع الفنان نضال سيجري حين أيقظ فيه ضرورة إظهار أعماله الأدبية للنور، وهذا ما كان و توفي والدي في الشهر العاشر في السنة الماضية عام 2019. 

والوقفة التحليلية المفصلة كانت مع الروائي والكاتب زهير جبور رئيس اتحاد الكتاب العرب سابقاً فقال في قراءته عن الرواية:» شجاعة امرأة كتبت قبل نكسة حزيران عام 1967م وقتها كان الكاتب في الجيش وهذه الرواية أقرب إلى الحقيقة منها إلى الخيال، أنا لم أعرف الكاتب لمن بعد قراءتي هذه الرواية ولا أبالغ أنها تقارب الحقيقة في الاندفاع الثوري وقتها وفيما يخص المرأة كانت صورة للوضع الحقيقي لها، والشجاعة التي تحلّى بها كل من المرأة والرجل وهذا ما رأيناه وترجمه الكاتب في شخصية عايدة واسمها الحركي ربوة وقصة تعارفها مع البطل اسكندر المتزوج وأب لأطفال ومسير حبه لعايدة المتزوجة سابقاً وأم لشاب وفتاة وتكبر اسكندر بأعوام إضافة إلى أنها من الطائفة المسيحية الكريمة ، كل هذه الظروف التي ساقتها قصة حب مع نضال ثوري ضد الصهاينة في حرب فلسطين قضية العرب المقدسة ، إلى أن يضمها عمل نضالي ولتقع في الأسر بيد الصهاينة ومن ثم هروبها واستشهادها كل هذا السرد الروائي في بوتقة الوطن والمرأة والسياسات المبطنة في تصوير بعض الطبقات الاجتماعية الفقيرة والتحولات التي طرأت عليها بعلاقتها مع المال والمنصب .كما نوه زهيرجبور إلى أمر مهم قال فيه:» في شخصية اسكندر وصف لحالة واقع الجنود العسكري وتفاصيلها الحقيقية التي نادراً ما يستطيع كاتب أن يصورها ويصفها» . وختم جبور حديثه في تقييم الرواية قال فيها : لو قارنا هذه الرواية مع رواية الأم لمكسيم غوركي فهي لا تقلّ أهمية عنها,هذه الرواية مهمة في إشارات للاستنساخ الطبقي عند الشخصيات التي حملت الفكر الاشتراكي ، وفيها كمّ من الأحداث وتجارب حياتية ومفارقات بين أصله وانتمائه للإنسانية من خلال الفكر اليساري والتطلعات الثورية حينها, فقد صور الكاتب الحماس الوطني الذي كان يضم السيدات والرجال معاً ومفهوم الاستعمار واحتلال الأرض من خلال خلفية ثقافية تظهر في كم الأحداث وتراتبيتها وتجارب حياتية واسعة ومفارقات بين أصله وانتمائه للإنسانية من خلال فكر تقدمي يليق بالبشر. وكان للتربوية عبير ملحم مداخلتها الهامة عن الرواية قالت فيها : تذكرني هذه الرواية والرواية السابقة بأدب أميركا اللاتينية وهي رواية واقعية بأحداثها، وتسلسل إيقاعها الزمني والنفسي فهي تتخطى الحدود المحلية عندما تتحدث عن الثالوث (الدين – السياسة- الجنس) والحالة الجدلية بينهما للوصول إلى العلمانية في شجاعة رجل وامرأة يتخطيان الصعاب ويتمردان على الأعراف والمفاهيم ليعيشان ظرفاً روحياً ووطنياً وقومياً بطولياً في قضية فلسطين العروبة.
وأكد على هذا الكلام المفتش في هيئة الرقابة والتفتيش في الرقة سابقاً نذير الحسن قائلاً :» نعم أنا أتذكر وعايشت هذه المراحل ، وقد كان لأبناء الرقة أيضا مشاركة في هذا ، فالكثير من أقربائنا وجيراننا قد التحقوا بالعمل الثوري والنضال ضد الصهاينة ، وعند انتهاء مهامهم عادوا لتكملة حياتهم الشخصية ومتابعة وظائفهم ودراساتهم.كما علقت المدرسة رولا سلوم (لغة عربية) في دراسة عن الرواية بأنها:» تتخطى الحدود المحلية عندما تتحدث بشكل حضاري عن الدين والتناقضات التي تحيط به, والسياسة بأبعادها الواضحة والخفية والجنس بإطاره الإنساني الشامل, والذي يأخذ صبغة عقلانية تشاركية في علاقة المرأة بالرجل, ورواية( شجاعة امرأة) تمس شجاعة الرجل ومدى تمرده على واقع لا يوازي تطلعاته وإنسانيته الطامحة, عبر مسيرة حياته المتبدلة بإطارها الوطني والقومي.
أما الجيل الشاب والذي لم يعاصر تلك الفترات الماضية وما حملته من طوابع فكرية ألبست ذاك الزمن لبوسات اختلفت وتغيرت كثيراً رغم أن ارتداداتها ما زالت حاضرة ليومنا هذا فكان للمهندسة الشابة ضحى داؤود مداخلة تحمل العديد من التساؤلات قالت فيها: أنا استغربت واستنكرت تمرده في البداية حين غادر زوجته وأولاده في حالة من التمرد على كل الحالة التي كان يعيش بها, وانسياقه وراء أفكاره التي قادته إلى قصة حب جارفة, شكلت مرحلة تختلف عما سبق والتي كان ختامها التطوع كفدائي في الحرب ضد إسرائيل.
وفي الختام كان للمخرج هاشم غزال مداخلة قيمة وخاصة أنه يمت بصلة قرابة للكاتب فهو صهر الكاتب وزوج ابنته رغداء فقال : أنا زوج السيدة رغداء, وعايشت الكاتب 27 عاماً وأعرف هذه الأسرة الإقطاعية جيداً, فهي لمْ تمتلك ذاك الفكر أبداً, بل كان جواً يتسم بالإنسانية فكرياً واجتماعياً , الكاتب إبراهيم جديد شخص متنور جداً وكل ما ورد في هذه الرواية أو الرواية السابقة كان ترجمة لفكره المتحرر والحضاري وتجربة زواجي من السيدة رغداء كان ترجمة أيضاً لفكره بعلاقته مع زواجنا وطريقة مباركته لنا, وهو لديه مجموعة من القصص القصيرة مع العديد من القصائد الشعرية لم تنشر وسنعمل على نشرها في الفترة القادمة بإذن الله .

سلمى حلوم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار