ما يجبر على المر إلا الأمــــر منـه … العمل الإضــــافي ما بين فكي الإرغام أو تأمين لقمة العيـــش

العدد: 9503

 الاربعاء : 8-1-2020

 

 

العمل الإضافي ليس بالأمر السهل، والحاجة الاقتصادية هي سيدة القرار، فما أن ينتهي دوام الموظف، ويصل إلى منزله حتى يعود ثانية لتجهيز نفسه للالتحاق بالعمل الإضافي الآخر، فالحياة شاقة وصعبة، ولقمة العيش مرة كالعلقم مغمسة بالعرق والدم.
بدأت هذه الظاهرة تطفو على السطح منذ سنوات، وباتت تزداد وتنتشر بسرعة، فهناك من يقول (ما باليد حيلة) وما يرغمنا ويجبرنا على المرّ إلا الأمر منه، وآخرون يقولون: العمل الإضافي هو الملاذ الوحيد للحياة الكريمة، وتأمين لقمة العيش فالمال هو عصب الحياة، لأن كثرة الديون والقروض ومصاريف المعيشة والغلاء الفاحش، كل تلك الأسباب تجعل المواطن يسعى جاهداً للبحث عن عمل آخر لتحسين وضعه ما يستدعينا للوقوف عند ذلك ومعرفة حكايتها والدوافع الكامنة وراءها ؟ وسلبيات وإيجابيات العمل الإضافي وهل هو الخيار الأمثل لزيادة الدخل؟ وهل يؤثر ذلك العمل على حياتهم اليومية في المستقبل؟

* ( ل- ي) يقول إنه يجمع بين عمله الأساسي كمدرس وعمله الآخر في تقليم أشجار الحمضيات والزيتون، فعائلته مكونة من أربعة أشخاص، وهدفه زيادة الدخل بأي وسيلة، لأن ظروف الحياة صعبة وأصبحت أكبر من أن يستطيع راتبه الإيفاء بالتزاماته، وفي حال عدم وجود العمل يضطر للاستدانة من المحلات لاستكمال مستلزمات الشهر ويعترف ( س- ص) بصعوبة العمل والإرهاق الذي يتعرض له جراء العمل والذي يكون معظم الأحيان على حساب راحته، حيث يسبب له ضغوطاً نفسية وحساسية مفرطة تجاه أي مشكلة، بالإضافة إلى أنه منقطع عن الآخرين والوسط المحيط به.
ويتابع: الظروف والحياة الصعبة هي التي دفعته للعمل بوظيفة ثانية، كونها الملاذ الوحيد لتحسين أحواله وتأمين حاجاته الأساسية.
* بينما ( د- ص) يؤكد على أن العمل بات جزءاً منه رغم أنه يسبب له الإرهاق والتعب الجسدي، وإلغاء العديد من العلاقات الاجتماعية، إلا أنه منذ سنوات يستيقظ عند الساعة السابعة ليتجه إلى دوامه ومن ثم يخرج في المساء لعمله في المطعم، ولا يصل إلى منزله إلا بوقت متأخر جداً، حيث يعمل أكثر من 16 ساعة متواصلة.
ويسرد قائلاً: من لا يحب صعود الجبال، يعيش أبد الدهر بين الحفر.
* وتجربة أبو الزين يرويها بحسرة وعيونه تكاد تدمع من هذا الواقع المرير الذي جعله يضطر للعمل الإضافي في مخبز خاص، لكي يقدم لأسرته المصروف اليومي ويقول: أستيقظ في الساعة الثالثة صباحاً وأعمل في المخبز حتى الساعة الثامنة، ثم أجهز نفسي لمتابعة عملي الوظيفي، وهكذا دواليك، بالرغم فقد تجاوز عمري الخمسين عاماً وكبرت على تحمل هذا العناء والإرهاق الجسدي والنفسي فقد ضقت ذرعاً، ولا حل يذكر.
* في حين يؤكد ( ع . م) على أن العمل الإضافي ينقذ أولاده من الجوع، فأسرته مكونة من خمسة أشخاص ويقول: راتبي لا يكفي ولا يسد الرمق مما يجعلني أعمل مستخدماً في محل سوبر ماركت، لكي أتقاضى راتباً آخر يكون لي عوناً بتأمين مستلزماتنا.
* ويرى ( د. ص) أن العمل في الفندق صحيح انه لا يمت له بصلة لعمله الأساسي، إلا أنه لا يستطيع تركه كونه مضطراً للاستمرار به بسبب الأعباء الحياتية المترتبة عليه.
* وأيضاً هناك الكثير من النساء تضطررن للعمل الثاني وقد التقينا أم حيان التي تعمل ممرضة بدوامين في القطاعين العام والخاص وتقول: عائلتي مكونة من ثلاثة أشخاص فالشكوى لغير الله مذلة، فالحال ضيقة وما يجعلني أعمل هو كثرة الديون ولاستيفاء القرض الذي سحبته من البنك لتغيير أحد الأدوات المنزلية، وكلما زادت ساعات العمل كلما قل الوقت الذي يمكنني أن أقضيه مع أسرتي، بالإضافة إلى ذلك فالعمل له جانب إيجابي وهو التعرف على أجواء وأشخاص جديدة، وأحياناً نكتسب مهارات وخبرات، بالإضافة إلى المردود الاقتصادي.
* ولمعرفة رأي أهل الاختصاص أشارت سندس حيدر اختصاصية علم اجتماع إلى أن العمل الإضافي سلاح ذو حدين حيث يضيف دخلاً إضافياً، ويستطيع من خلاله المواطن تأمين المستلزمات والاحتياجات الضرورية وكذلك له مضار على الصحة ويؤثر بشكل سلبي على الأفراد والأسرة بسبب الغياب المستمر للوالدين.
وسردت حيدر إن الحاجة الاقتصادية في الدرجة الأولى هي التي تدفع المواطن للبحث عن عمل إضافي في ظل الظروف الحالية وارتفاع الأسعار.
كما أننا لا ننكر أن لها مضاراً وأضراراً نفسية واجتماعية، وكذلك جسدية على المدى البعيد، ومن حق الإنسان أن تكون له ساعات معينة ينصرف فيها لممارسة هواياته، أو اللعب مع الأطفال أو القيام بالواجبات الاجتماعية والتواصل الاجتماعي مع الآخرين، أو حتى الراحة أو القيلولة.
* أميرة ميا، علم نفس: صحيح أن العمل الإضافي هو الطريق الأقصر والأسهل لتأمين الدخل الإضافي على المدى القصير، له سلبيات وأيضاً لا يخلو من الإيجابيات، من سلبياته التعرض للضغط النفسي والإرهاق الجسدي نتيجة العمل لساعات طويلة والتنقلات بين الوظيفتين والحصول على قدر أقل من الراحة، بالإضافة إلى أنه يسبب الانخفاض في الكفاءة والضيق في الوقت..
وقد توصلت الدراسات الحديثة التي أجريت إلى أن زيادة عدد ساعات العمل قد تسبب أضراراً كبيرة بالصحة ومنها الأمراض التاجية القلبية، وارتفاع ضغط الدم وآلام الظهر والمفاصل، والتوتر والقلق والاكتئاب وأشارت الدراسة إلى أن أمراض القلب هي السبب الرئيسي للوفاة وأن الموظفين الذين يعملون لساعات طويلة يواجهون خطراً أعلى للسكتة الدماغية بالمقارنة بالأشخاص الذين يعملون لساعات ضمن الحدود الطبيعية.
وبالتأكيد الحصول على وقت كاف للنوم يزيد من الطاقة الإنتاجية ويقلل من المخاطر الصحية المتعلقة مع زيادة عدد ساعات العمل على المدى الطويل.
بينما الإيجابيات تقتصر الحصول على المزيد من العمال لتأمين لقمة العيش، بالإضافة للتعرف على أشخاص جدد واكتساب خبرات ومهارات أحياناً ربما تؤهل العامل في المستقبل لأعمال أفضل ومردود أعلى.
تعددت الأسباب والنتيجة واحدة بالدرجة الأولى الهدف الأساسي هو تحسين الوضع المادي، وتأمين المستلزمات الهامة، وتسديد الديون المترتبة عليهم جراء القروض الذين اضطروا لسحبها من البنوك العامة والخاصة، كل تلك الأسباب تستدعي السعي للعمل.

مريم صالحة

تصفح المزيد..
آخر الأخبار