متى يكون الأب محــور حــديث مجــالس الزوجـــة والأولاد؟

العدد: 9503

 الاربعاء : 8-1-2020

 

 

كثيراً ما يشكو الأبناء وتسبقهم الأم والحماة انزعاجهم من تواجد الأب بعد تقاعده وفي العطل والإجازات طوال ساعات اليوم والنهار، وملازمته البيت والتحكم بسكانه وزواره، وانشغاله بكل صغيرة وكبيرة في تصرفاتهم وأعمالهم، وحتى دراستهم ولقاء أصدقائهم، وقد يجلس أمام التلفاز منفرداً لساعات لتبدأ المشاحنات والمشاجرات، وتعلو الأصوات ويسمع الجيران، فتكون سيرة على كل لسان، هذا ما يحدث عادة، لكنها ليست صورة سلبية في كل الأحيان، إذ هناك بعض السيدات والزوجات يفضلن أن يمكث أزواجهن في البيت ليكونوا رفقتهم طوال ما تبقى من الأيام بفرحها وحزنها، يشاركنهن الأحلام والآمال حتى إن غصت بالمنغصات والتنكيد والتكييل بالأخطاء والمغالطات، فهي قد كانت يوماً ملح الحياة.
* أم أكرم: موظفة تكره يوم العطلة، وتؤكد أنه أسوأ يوم يمر عليها وعلى الأولاد وتقول: من المفترض أن يكون يوم العطلة فرصة لاجتماع الأسرة والتمتع بقضاء أوقات جميلة خارج البيت، لكن زوجي يحولها إلى هم وغم إذ يتدخل في كل شاردة وواردة من شؤون البيت، ويسأل بإلحاح عن وجود هذا الغرض في هذا المكان أو ذاك، ويصل فضوله إلى ترتيب الخزائن ليتهمني بالتقصير والإهمال، وفي حال تواجده وعدم خروجه أُحرم من محادثة الأهل و الصديقات، وعلى هذا يتهمني بإهماله وتفضيل الآخرين عليه، رغم أنه ينشغل عني طوال الوقت بقراءة الصحف والكتب أو بمشاهدة التلفاز، ولا أكاد أسمع صوته إلا يناديني لتلبية أمر ما أو إذا قرع الباب، فكيف يمكننا أن نكون معه على هذه الحال؟ وأولاده يشتكون منه التدخل في شؤونهم وصداقاتهم ويمتنع عنهم في دراستهم التي تتطلب منه المساعدة بإلحاح وهو الجامعي ليكون أولاده في المعاهد والدروس الخصوصية التي تستهلك رواتبنا، وتستنزف أسباب معيشتنا لتضيق علينا الحال، وعنده لا نجد جواباً.
* أم نجوى، معلمة تقول: طبيعة عمل زوجي تتطلب منه السفر باستمرار، وقد يغيب لشهر واثنين أو أكثر في هذه الأيام التي نعيشها بحذر، وهو ما يجعلني أشعر بالخوف والضيق من فترات غيابه الطويلة، وأتوق ليوم عودته سالماً معافى، فهو خير أب لأولاده، ونعم الزوج وزينة بيته، فلطالما هو الصديق والأخ لسكان بيته، متعاون ومتفاهم يجالس أبناءه ويحادثهم ويساعدهم في دروسهم، كما يشاركنا النزهات والتسليات، وهو ما يجعلنا جميعاً نفتقده عند سفره، وأعود لأتحمل مسؤولية البيت والأبناء لوحدي فترات طويلة..
* منى جبور: إن وجود الزوج والذي هو الأب بالوقت ذاته في المنزل ليس سبباً للضغط النفسي والتوتر، فهذا يعتمد على الزوج نفسه، فإذا كان يقضي أغلب وقته خارج المنزل بحكم عمله ثم يجلس فجأة لأي سبب من الأسباب، فلا بد أن يسبب وجوده في البيت مشكلة لأنه سيشعر بالملل، ويتدخل في شؤون الجميع من باب التسلية ليملأ أوقات فراغه التي ما اعتادها يوماً، كما أن أفراد عائلته ما اعتادوا تواجده معظم اليوم، وهو يراقبهم أو يحشر نفسه بأمورهم، يضيق عليهم ويسلبهم حريتهم، وكانوا قد تأقلموا مع نمط معين من الحياة ليتغير فجأة وعليهم تقبله بسهولة، ولكن كل ذلك يعتمد على طبيعة الزوج، فإذا كان هادئاً متعاوناً ولا يتدخل في شؤون أحد، ولا يكثر من الشكوى والقلق ستشعر الأسرة بسعادة كبيرة بوجوده، ويسكن الفرح والجمال تفاصيل حياتهم و يخيّم الأمان أحلامهم وآمالهم.
* عمار مهنا، مهندس: يرى أن الرجل يكره بطبيعته التواجد في البيت ويميل للخروج، إذ سرعان ما يشعر بالملل من قراءة الصحف أو حتى مشاهدة التلفاز، كما أنه كثيراً ما يرى زوجته مشغولة عنه بالأعمال المنزلية، فيدفعه ملله للتدخل في أي شيء يصادفه ليس لافتعال مشكلة وليس لأنه سيئ الطبع، بل لأنه يبحث عن شيء ينشغل به لملء وقت فراغه، وليؤكد أنه طرف أساسي من تكوينة هذه الأسرة، وليفرض وجوده على الأسرة التي تمارس حياتها بشكل طبيعي دون الالتفات له، لأنها ببساطة اعتادت على عدم وجوده وتواجده في أزماتها وتحمل مسؤولياتها، لذا قد يشعر بالدونية وأنه لا قيمة له بينهم سوى أنه صاحب السلطة في حال تواجده، وهو ما يعني المشاكل وتوزيع الأوامر ومحاولة افتعال الأزمات.
* أبو إلياس: أوضح أنه يسكن بيتاً دافئاً وهادئاً، فالكلّ يعرف دوره ومسؤوليته ولا أحد فيه يحاول النيل من سعادة وراحة الآخر، كما يتعاونون ويتساعدون خلال المرض والأزمات، ولطالما فضلوا تواجده في المنزل، ليقول: الأمر فقط يتعلق بترابط الأسرة فكلما كانت مترابطة شعر أهلها بالراحة والسكينة، وإذا ما غاب أحدهم مثل الأب، أحسوا بالضيق والقلق وهو أمر طبيعي، إذ يكون قد أحدث اختلالاً في بنيان الأسرة وتماسكها، فتواجد الأب يكمل ألوان تشكيلة لوحة البيت، لتكون حديقة تتباهى بمزيج عطرها و رونقها.
* الأستاذ علي كحيلة، علم اجتماع: أشار إلى نكهة تواجد الأب في المنزل، فقال: غالباً ما يكون لوجود الزوج في المنزل نتائج سلبية ناتجة عن تصوراتنا ومفاهيمنا للأدوار الملقاة على كل منا، فالرجل في عالمنا الشرقي هو الشخص الذي يفترض أن يعمل خارج البيت، وعنده مسؤوليات معينة بعيدة عن الأعمال المنزلية وتربية الأبناء، لذا يعد وجوده في البيت غير طبيعي ويسبب الكثير من المشاكل، وهو ما ينعكس على علاقته بزوجته وبالموجودين حوله، وهو إن لم يجد ما يقوم به في حال فرضت عليه ظروف معينة التواجد في المنزل، لا بد أن يتحول ملله وضيقه إلى توتر وضغط نفسي وغضب، لأنه سيتدخل في شؤون البيت وسيختلف في وجهات النظر بالطبع مع زوجته، وهذا الاختلاف سيتحول إلى مشاكل عديدة تنعكس بالسلب على علاقة الزوج بأسرته من زوجة وأبناء، أما إذا كان كل شخص يعرف واجباته جيداً واعتاد الزوج على مساعدة زوجته في مراجعة دروس الأبناء مثلاً، أو في إعداد الطعام فلن يشعر بالملل أو يصاب بالاكتئاب والتوتر عندما يجلس بالبيت، عندها تسير الأمور على خير ما يرام.

هدى سلوم

 

تصفح المزيد..
آخر الأخبار