العدد: 9499
الثلاثاء :31-12-2019
أمضى ثلاثة أرباع عمره، وهو يردّد بعضاً من أشعار (عنترة)، وقد أشبعها باللغة العاميّة المحكيّة وبكثير من التّصرف.
وحين كانت تكثر المواقف، تكثر معها الإضافات، فيضطرّ إلى استخدام يديه بعراك نهايته كحريق منزل التهم المنازل المجاورة!
حين رافقته إلى مناسبة خطوبته من فتاة، انبرى بتلك الأشعار وأقسم بأن ّحمام سطح منزله يهدل ويطلق أجنحته على تلك الأبيات من الشّعر! وتشجّعت فتاته وقالت: على الأقل لو وصفتني بعبلة لهان الأمر كثيراً.
فأجاب: لولا (عنترة) ما سمعنا بعبلة على الإطلاق.
ذات مرّة، شاهدنا معاً (فيلماً) خارقاً عن فروسيّة من فروسيّات القرون الوسطى، فخرج صاحبنا معترضاً وقال: لو كان (عنترة) داخل تلك القصة، لأباد نصف هؤلاء بمن فيهم البطل.
في إحدى الجلسات قال له أحدهم: كان (عنترة) يحبّ لحم الضأن المسلوق، فيأكل ويطعم الحاضرين، فأجابه بتهتّك: جئني بفرس وسيف، ولك لحم الضأن
في الأيّام الأخيرة، انقطعت أخباره ولم نعد نسمع عنه شيئاً على الإطلاق، إلى أن جاء من يخبرنا بأنه يعمل في إحدى القرى النّائية بقطاف الزّيتون، فأصابتنا دهشة ما بعدها دهشة! وفهمنا منه بعدها بأنّ الزيتون و(عنترة) لا يلتقيان، فكان يجلس قبالة البحر ويقول: لو غرق (عنترة)، فكان سيغرق في ذلك البحر، ولو دخل إلى سمّان حارتنا لاستعطفه ببعض الحاجيات إلى حين ميسرة، ولو وقف أمام بائع لحوم لرهن فرسه وسيفه لقاء وجبة طالما تمنّاها أحدنا كلّما رأى ولائم اللحوم التي تقدم للبعض في هذه الأيّام، ولو ..ولو… فعنترة لا يصلح لهذا الزّمان، ولو جاء بقبيلة (عبس) وألف.. ألف عبس معها، وبدلاً من سيفه، عليه بهاتفه النقال، ملوّحاً على أنّه الأعلى سعراً في (بورصة) الهواتف الذكيّة!
هكذا ودّع (عنترة) بشعره وغزله وتاريخه، والتفت إلى ترويض ما بقي من عمره، ولسان حاله يقول: ودّع عنترة إنّ الرّكب مرتحل.
سمير عوض