كرنفـــال في المؤسســــات والمديريــات لأمهاتهــــم بـعد الامتحـــــان

العـــــدد 9498

الإثنين 30 كانون الأول 2019

 

أما وقد انتهى امتحان الأولاد، وها قد عادت مجريات أيامها لعهدها كما باقي الأيام، فقد أتت اليوم لدوامها بأحسن صورة وهيئة وأفضل مزاج، والنفس مرتاحة والقلب مطمئن، فلا دروس ولا وظائف وحلول، وباقي اليوم من بعد الظهر يحق لها الانفلات والانطلاق بلا انضباط بعيداً عن هواجس الدرس التي ركبتها لفصل كامل من عام دراسي وأقلقتها وكأنها طالبة في المدرسة وهي من تخرجت من الجامعة وولت أيام الدراسة لتعيدها مع الأولاد.
أذكر صديقتي يوم قالت لي: ليتني أعود صغيرة، وتردف جملتها وترجع بقولها: لكن ما يزعجني أني سأعود وأدرس في المدرسة (لاما صدقنا خلصنا مدارس ودراسة، خليني هيك أفضل) أما وقد تزوجت فقد عادت تدرس مع أولادها.. و لم تنته من دراستها بعد، إلى أن يكبر الأولاد وينالوا شهاداتهم بأعلى منها..
أم بحر لديها ثلاثة صبيان تأتي إلى دوامها اليوم وقد ملأتها السعادة، ماكياج وشعر منسدل على أكتافها، وهي التي كانت تلفه دون تمشيط بشكل (كعكة) تجلس على كرسيها وراء مكتبها بارتياح وهدوء، وتقول :الحمد لله خلصنا فحص وكان اليوم الأخير. أنا أحفظ أكثر منهم، ويا ليتني لو أقدر أن أقدم الفحص عنهم لكان أريح لي وكنت الأولى في الصف، وتشير إلى أن زوجها لما قال له (بحر) أنه أجاب عن كل الأسئلة، رد عليه والده: والله يا بابا لو غلطت بسؤال (لجلطت أمك أو وديناها للعصفورية).
أما أم ثائر فقد جاءت تترنح من القلق والخوف فابنتها لديها آخر مادة في الفحص ديانة، ولم تكن تحفظ منها شيئاً، وكانت قد أودعتها لوالدها أن يدرسها ويحفظها، مع أن هذه المهمة هي التي توكلت بها منذ السنين الأولى في المدرسة.
أما أم علي سيدة في الخمسين وقد تأخرت في الإنجاب ليكون ابنها في الصف الرابع تصرخ وتشير إلى أن يدها تؤلمها بل قد شلت من كتفها لكثرة الكتابة على ورق المسودة ونسخها كل أسئلة الدروس التي تدخل في الامتحان، ولم تنقص منها شيئاً أو يفلت من يدها سؤال، حيث تدرك وتعلم أن السؤال الذي لا تدونه له على الورق يأتي في الامتحان وتكون عنده الكارثة، واليوم تحمد الله وتشكره أن انتهى الامتحان على خير.
أم عامر_ تتلفظ بالسباب والشتائم على المدرسين والمدارس فقد جاء ابنها البارحة من الفحص وهو غاضب ومقهور من المراقب (المعلم ) الذي بدأ يعد لهم الدقائق وأنصاف الساعة وكل حين يرفع صوته قائلاً : صارت الساعة كذا .. باقي من الوقت كذا .. نصف ساعة ..( اخرجوا هيا.. لم يبق من الوقت غير ثلث ساعة وأنتم منكبون على ورقة الأسئلة دون جواب ولن تعرفوه بعد هذا الوقت، ما لكم ..سلّموا أوراقكم ودعونا نذهب لبيوتنا )
السيدة عبير ليست كغيرها من الأمهات وقد انتهت مهامها في تدريس ابنتيهما المتفوقتين وهما تدرسان في الجامعة واحدة بكلية الصيدلة وأخرى في كلية الطب، لكنها تتذكر الأمس وتترحم يوم كانت صغيرتاها بالمدرسة تتذكر وكأنه اليوم لتقول : كانت صغيرتي في الروضة يوم أيقظتها لأول مرة عند الساعة الخامسة صباحاً لأجل التدرب على الإملاء، ولم أكن أصدق أنه لدي ولد وأقوم بتدريسه، يومها أراد زوجي أن يرميني من (البلكونة) لكن مع تتابع سنوات الدراسة بت أمقت الأمر ووكلت المهمة على المدرسين الخصوصيين ودورات التعليم، وحبات قلبي اليوم تصحوان باكراً من نفسيهما لتدرسان وأفيق معهما لأحضر القهوة وبعض ما يرطب القلب وينعش الذاكرة ويوقظ العقل، فرحة نجاحهما هي فرحتي وشهادة سينالونها ستكون لي معهما (والله يفرح كل الأمهات ويناولهم متل ما ناولني).

هدى سلوم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار