العدد: 9496
الثلاثاء: 24-12-2019
ما بين أن يكون الأمر صحيحاً أو غير صحيح وبين أن يكون الأمر خاطئاً أو غير خاطئ، يقف المرء مع نفسه وقفة تأمّليّة حقيقيّة ولا بدّ سيُدرك لا محالة عندها وربّما بعد حين، وربّما في مكان بعيد عن مكانه الحالي، وزمان غير زمانه الذي يعيش فيه الآن، تلك الحقيقة التي هي نفسه ولم يستطع أن يقولها أو يُجاهر بها، وليس الأمر بمجمله وكلّ هذا التعقيد أو الخوف من المواجهة وليس الأمر بالبعيد لا في الإدراك ولا في المنال، لكنّه سهل الإدراك وسهل المنال، إذا اعترف الإنسان أنّ المشكلة تكمن في ذا الإنسان الذي ادّعى الإدراك والمعرفة فكان مدّعيّاً قبل أن يكون معرفيّاً، ذلك لأنّ المعرفة لا تكون بإطلاق الأحكام المطلقة على الأشياء المتغيّرة زماناً ومكاناً.
إنّ الأمر لا يتعدّى تقبّل فكرة أنْ لا شيء بمطلقه صحيح ولا شيء بمطلقه خاطئ، وهنا تكمن المعادلة التي إنْ استطعنا تحقيقها أو الوصول إلى مبادئها وأسسها لعرفنا أنّ الأمور ليست نسبية وحسب بمقدار أنّها تتبع مجموعة من الأسس التي علينا أن ننطلق من خلالها أثناء إطلاقنا هذا الحكم أو ذاك وأن نقول هذا الأمر صحيح وذاك خاطئ.
ببساطة شديدة يمكن للأمر أن يكون صحيحاً لوقتٍ من الأوقات ومن ثمّ يتحوّل هذا الصحيح إلى خاطئ في وقتٍ تالٍ وهذا الوقت غير محدّد ولا مقيّد بل إنّه مفتوح وإنّما انفتاحه ينطلق من اللحظة ويستمر حتى العصور وكذا الأمر بالنسبة للمكان الذي قد يخترق الأفق اللا محدود ويجتاز كلّ القيود، وكأنه بذا الأمر يُقلّب نفسه بين الزمان والمكان وما تحمله هذه التبدلات من شعوب وثقافات وربّما قناعات بين أبناء المجتمع الواحد، وهذا ما يدعونا إلى الحديث في وحدة الهدف البشري الحقيقي ألا وهو الإنسان الذي تسعى كلّ الشعوب والحضارات إلى أن يرتقي.
وما أصعب أن يكون هذا الأمر خاطئاً أو صحيحاً انطلاقاً من القرار الذي نتخّذه ولا ندري إنْ كان قرارنا خاطئاً أو صائباً، وهنا المشكلة الأعظم إذا كنّا لا ندرك حجم الإساءة عند اتّخاذ القرار الخاطئ بحق الإنسانية التي هي هدف الجميع وهي جامع البشرية على اختلاف الأزمنة والأمكنة، فالحقيقة أعزائي لا تحتاج إلى اكتشاف ولا تماثيل أو ترويج كما لا تحتاج إلى تعابير وتقارير بل هي واضحة بيّنة بذاتها بادية بجلاء ووضوح ولكن أن نعمل على تفسير وتحليل لا حاجة لهما فهذا يتنافى مع العقل البشري الذي أودعه الله عباده، وكان أداة المعرفة والحقيقة ولأنّه موطنها الأساس لا يمكن لنا أن نغيّب العقلانية والمنطقية في معرفة النفس البشرية السّويّة التي لا تؤذي ولا تنكر حق الآخر.
وفي ختام القول أقول: لعل الجملة التي علينا أن نعمل على ترجمتها فعلاً بعد القول (الإدراك صحيح وعدم الإدراك خاطئ).
نعيم علي ميا