تانــغو.. لأن الحياة رقصــة اثنين معـــاً !

العدد: 9494

الاحد: 22-12-2019

 

الحياة كما رقصة التانغو، تحتاج دوماً إلى اثنين، ربما سيرحل شريكُكَ وسيتقاعس، لا تنظرُ إليه, دعه!.. لا توقف الرقصة، وابحث عن شخصٍ ثان، فالحياة معزوفة واحدة وساحة الرقص لا تُترك خاوية!

على تلك الفكرة الجريئة بنى المخرج ياسر دريباتي مسرحيته التي كتبها بسّام جنيد بمشاركة ردينة حسين و نيرمين علي وتمثيل المبدعتين رهام التزّة، نيرمين علي ومتابعة دراميّة: شيرين عيسى، حيث خرجت أسرة المسرحية عن المألوف بتقديم طرح جريء لفكرتي الجنس والدين اللتين طافتا على وجه الحياة في ظروف حرب لعينة، وذلك بأسلوب غير مبتذل وظفت فيه الألفاظ والملابس والإضاءة والديكور بما يخدم الفكرة دون أن يكون عبئاً عليها، وذلك عندما اجتمعت شخصيتان متناقضتان في الظاهر وفي العمق هما وجهان لعملة واحدة.
راقصة التانغو (ريتا) والمرأة المتدينة (ليلى) جمعتهما ظروف الحرب والزواج في خراب مدمر تتقاسمان فيه تناقضاتهما وصراعاتهما الداخلية، فقد أبدعت الفنانة رهام التزة بتجسيد دور ليلى التي تلازم الصلاة وقراءة الأدعية في انتظار تأشيرة سفر إلى ألمانيا ليجمع شملها بزوجها أبي مؤنس بائع الغاز الذي هاجر مع زوجته الأولى وابنه وتركها لأقدارها بعدما استعمرها فكرياً وبث سمومه فيها، حينما تحول بين ليلة وضحاها إلى داعية وتعهد ببناء أكبر مسجد في ألمانيا بل في أوروبا كلها، كما جعلها تدمن أفكار الدكتور ذاكر الفاتح في محاولة احتكار روحها وجسدها وتسييرها لملذاته وغاياته الخاصة من خلال التواصل عبر شبكة الأنترنت التي كانت منفذها الوحيد على الحياة خارج الخرابة، لتستيقظ أخيراً وقد أدركت أنها غارقة في الوهم والخذلان حتى الثمالة فألمانيا كما أخبرتها ريتا بلد يرفض تعدد الزوجات.
أما دور ريتا فقد أتقنت الفنانة نيرمين علي أداءه بحرفية عالية، فراقصة التانغو مصرة على الاستمرار في مسيرتها متمثلة الفكر الذي تؤمن به متحدية الجهل والغباء وتحول زوجها الطبيب راقص التانغو الجميل إلى متعهد لدفن الموتى بعدما صدم جراء اضطراره لبتر أطراف صديق عمره ،فحول مدرسة الرقص الخاصة بهما إلى دار تكفين للموتى محاولاً قبر شباب ريتا وفنها هناك فهربت ولجأت إلى خرابة مدمرة.
شخصيتان متشابهتان في الوجع والخيبات لكن إحداهما كانت أكثر وعياً وإدراكاً ورفضاً فتمردت وعملت على تحرير رفيقتها من عبوديتها وجهلها بعدما أدركت أن كلتيهما ضحيتان لحرب مجنونة بين كبار يتنازعون على أرزاق وأحلام ولتؤدي كل شخصية رقصتها الخاصة مؤكدة أن الحياة تستمر ولا تقف عند خسارة أحد تماماً كما هي رقصة التانغو.
مسرحية للكبار، تستحق الحضور لأن ثمة فنانتين تمتلكان خشبة المسرح لساعة كاملة دون أن تشعرانك بالضجر بل تجعلانك مندهشاً من جرأتهما وقدرتهما على جذبك بما تضيفانه للشخصيتين من سحرهما وانفعالاتهما حيث تقدمان بلغة الجسد مشاهد حسية قوية توظف فيها الحركات والإيماءات توظيفاً مدروساً دقيقاً لخدمة الفكرة التي أراد دريباتي إيصالها من خلال مسرحيته (تانغو) التي قدمها على خشبة المسرح القومي لجمهور اللاذقية.

نور نديم عمران

تصفح المزيد..
آخر الأخبار