الخميس 19 كانون الأول 2019
العـــــدد 9493
كان يوماً خريفيَّا بامتياز، وكانت الأوقات تتداخل، فلا يمكن تمييز الظَّهيرة من الغروب، ولا الغيوم الماطرة من العابرة، ولا هجرة الطُّيور من قدومها.
أمَّا الدُّروب فهي مثقلة بما حملته الرّيحُ من الأوراق والأغصان المتساقطة، فالأشجار تلتف على تلك الدروب كالأساور على معصم صبية، أمَّا أنا فكنت أبحث عن نفسي في هذا المكان، وقد جئت من مدينة تبعد عشرات (الكيلومترات)، مدينة لم تترك لي سوى معاشي التقاعديّ، بعد أن أخذت منيّ كلّ شيءٍ.
في هذه القرية كلّ شجرة مرآةٍ، وكلّ بقعةٍ هي مرآة! تتداخل المرايا لأجد صورتي مطبوعة فيها!!
صادفت بعض القرويِّين وقد سبقتهم حناجرهم التي تعالت بالسُّباب والشّتائم، وفهمت بعدها بأنَّني متّهم بسرقة شيءٍ ما، مع أنَّ الأشجار خاويةٌ في مثل هذا الفصل ولم أفهم بأن النظر للطبيعة هو من السّرَقة في هذه الأيام؟!
فاتَّفقت معهم أن يبيعوني ما يشاؤون بيعه، وهكذا وجدت نفسي أحمل أغراضاً لا تفيدني ولا أجني منها سوى التِّعب، وقد دفعت فيها نصف راتبي!
سخرت من نفسي قائلاً: الوصول للطبيعة كالوصول إلى بقاليّة، أو الدُّخول إلى (مول) تشتري منه ما يبهرك! وبعدها تكتشف بأن ما اشتريته لا يلزمك على الإطلاق؟! ولذلك فأثناء عودتي: تخلّصت منها لأحد المارَّة.
على الطّريق، وبعفويَّةٍ حالمةٍ، أخذت أدندن بأغنيةً قديمةٍ ما لبثت أنْ انجرفت معها مثل نهرٍ تدفق عليه سيل مفاجئٌ، لأتلقى حجارةً تصيب صدغي مع صراخٍ منجرحٍ يقول: (ينقصنا مجانين)؟!
وصلتُ بيتي وأنا على قناعةٍ بأنّ الخريفَ لا يقابل خريفاً، وأنّ مثلي يجبُ أن يعيش من دون راتبه التّقاعدي، مثله مثل الدّروب الّتي تقتاتُ على أوراقها مع كُلّ مسافةٍ تدوسها الأقدام.
سمير عوض