الخميس 19 كانون الأول 2019
العـــــدد 9493
هل تعرف ذلك الزائر في كل الأوقات؟ لا يحمل بطاقة تعريف، وغير مضطر لجواز سفر، يتسلل آناء والنهار، يطرق أبوابنا في اللحظة التي يشاء القدر، كل البوابات مشرعة له، لا يسأله حرسها، وليس معنياً أن يجيب أو يقدم أوراق اعتماده لأحد، يتسلل خلسة، ينزل كما الصباح، يحل كالمساء، يهبط كمثل الليل وكالقضاء المستعجل، بل هو كذلك يمسك بتلابيب الروح فيكربها، يحبطها، يشتتها ما بين التصديق والتكذيب، يمارس عليها أنواع العذاب، يشعل فيها أتون الانهيار، يبعثرها يحرقها، يتركها على شفير هار، يحط كطائر الغراب الأسود قادماً من قريب أو بعيد، لا فرق في المنشأ، أو الولادة، وليست تهمه وجهة التيار، يرسل إنذاره قبله حيناً، وأحياناً بلا إنذار، يميط لثامه عن وجه كالح، أو مارد، يمزق كل الحجب أمامه، يستولي على الجسد، يمرق بالرغم من كل الجدر، يهدمها كطاغ جبار، لا يرضى حين يستعمرنا بغير نشيج هدار، لا تنفع معه كل توسلاتنا ووجوه استرحامنا مستكبراً، يقهقه فوق حطام أجسامنا، يعتلي ركامها، وقد انتصر عليها، بعثرها، شتتها، قطعها شلواً شلواً، واستعد ليسمع منها نشيداً، ليس كالمعهود أو المعتاد، ليس كالأغنيات يقال عند سماعها: إيه، أو قصائد أبدعها رومانسيو الشعر المتألمون، أو الفنانون المتغنون بألم اللحظات، بل يستعد منصتاً لنشيج موجع كقطع الليل مفرداته: تأوهات نواح، نحيب ويل أرق وسهر قلق.
ذاك الزائر الثقيل يعرف كل الطرقات والدروب إلينا، أصغاراً كنا أم كباراً،
خبرنا أصحاء ومرضى، لا يضيع ولا يضل خطاه إلينا، الزائر، هذا الألم لا مفر منه، لكن لا يقهره إلا الإيمان بالله، والصبر.
خالد عارف حاج عثمان