العدد: 9491
الثلاثاء: 17-12-2019
رغم الحفاوة الكبيرة ببعض الاحتفائيات والمهرجانات الأدبية والثقافية عموماً، والهالة الإعلامية التي تحيط بها، وما يرافقها من لقاءات وحوارات جانبية تغني أيّ مادة إعلامية وتثريها، سواء في المقروء أو المسموع أو المشاهَد… فإنّ كثيراً منها نحاول تجميله وتزيينه وإضافة (الرتوش) وبعض البهرجة عليه ليظهر لائقاً يستسيغه الجمهور ويتقبّله دونما صدٍّ أو نفور.
ورغم سعي مَن نلتقيهم وإصرارهم على التواجد الشخصي في أغلب المناسبات، إلا أنّ بعض الاحتفائيات تبدو مدرّجاتها خجولةً، نحاول الابتعاد بها عن كاميراتنا، وربما تقتصر على أهل الكاتب أو الأديب ومعارفهما وأصدقائهما، ومثل هذه النشاطات الأدبية هي المعنية، بينما نجد المدرّجات وقد غصّت بجمهورها في باقي العروض الموسيقية والغنائية وحتى المسرحية وامتلأت، حتى في بعض الأحيان نجد الجمهور يفترش الأرض جلوساً أو يتابع العرض وقوفاً، وخاصةً في العروض السينمائية مع العرض الأول لها وما يرافقه من حضور أبطال الفيلم ومخرجه وكاتبه.
فهل بإمكاننا فرز الجمهور وغربلته ليتّجه نحو مثل هكذا نشاطات، أم هي ميوله وتوجّهاته الحالية نحو الفنّ والمسرح عموماً؟ وما أسباب ابتعاده عن النشاطات الشعرية والنثرية وتوابعهما؟
في تحليل منطقي لهذا الفرز يمكن ردّه إلى أسبابٍ عدة أوّلها: نوعية الجمهور وثقافته وانتماءاته العلمية والفكرية، والاختلاف في الاهتمامات والتوجّهات.
وثانيها: الفروقات العمرية واتّجاه الشباب إلى الفنون المسرحية والسينمائية حالياً، مع العروض الأولى وما يرافقها من ضجيج وصخب وترويج إعلامي يطغى على باقي الفعاليات، بينما نجد هذا الترويج غائباً أو مغيّباً إلى حدٍّ ما في باقي الفعاليات الأدبية التي يغيب عنها الشباب ليحضر الأكبر عمراً، وهذا يعد ثالث العوامل المؤثرة على الحضور الكثيف والحضور الغائب، فالإعلان والترويج والدعاية لهم دورهم الكبير والفاعل في التأثير وجذب الجمهور، حتى الإعلان الطرقي لا يمكن إغفاله، دون أن ننسى دور باقي وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، وهذه الأخيرة باتت لها الأولوية والصدارة، ويمكن الاعتماد عليها كأحد المنابر الترويجية الهامة في يومنا هذا.
ورابعها: يتعلّق بالنشاط نفسه ونوعيته والأسماء المشاركة فيه، إذ لبعض الأسماء وقعها الكبير على الآذان وبمجرّد السماع بها ترى الجمهور يندفع لحجز مقاعده أو شراء بطاقات الحضور ولو قبل مدّة زمنية كبيرة، راغباً في رؤية أو الاستماع والاستمتاع بهذا العرض أو الحفل أو ذاك…
أخيراً تبقى الذائقة الشخصية هي الكفّة الراجحة، والمعيار الذي يحدد كثافة الجمهور من عدمه، وميله وانجذابه من نفوره وإحجامه عن الحضور، ومهما كانت نتيجة تحليلاتنا يبقى الحضور الرقم الأول والأصعب فيما يخصّ النشاط أو الفعالية الثقافية مهما تعددت أنواعها وأصنافها واختلفت، والمعيار الحقيقيّ لنجاحها أو فشلها.
ريم جبيلي