مـــــَنْ هـــو في حضــــرة الأنــــا؟

العدد: 9491

الثلاثاء: 17-12-2019

 

لابدّ للمرء أن يعيش وفق ما هو مرسوم للحياة أن تكون أو مُقرَّر لها , ولن يكون ذلك إلاّ أذا أدرك هذا المرء أو ذاك الدورَ الحقيقيّ الذي عليه أن يقوم به تجاه نفسه من جهة والآخر من جهة ثانية, وإذا كان الإنسان مؤمناً بحقيقة أنّ الإنسان للإنسان وبهم فما عليه إلاّ أن يبتعد عن التحيّز , نعم يجب الإنطلاق من نقطة ومبدأ ألاّ يكون متحيّزاً , لأنّ هذا التحيّز سيجعله قصير النّظر ضيّق الفكر لا مدى لرؤيته ولا أفق لمداه المنعدم. إنّ عدم التحيّز يعني الإنفتاح على الذات وإدراك حقيقي لمعنى الرؤية الأنضج والأعظم فيه , فالإنسان المتحيّز لا يرى نفسه إلاّ حبيس السّجون ونزيلها الدّائم فلا يرى إلاّ جدرانها التي حدّتِ العالمَ وجعلته محكوماً بها لدرجة أنّها أصبحت جدراناً سوداء من عتمة المكان حيث لا شمس ولا ضياء, هي سجون الفكر المنغلق , الفكر المتصلب المحدّد والمقيّد بقيود أغلبها إن لم نقل كلّها وهميّة , زائفة , باطلة. ومن هنا وانطلاقاً من عدم التحيّز علينا أن ندرك أنّ المرء المتحيّز جاهلٌ بالمطلق , ولعلّ جهله الأوّل هو عدم معرفته أنّ هناك آخراً به يحيا ولأجله يعمل ويسعى , وبناءً عليه فجميع تفاصيل الحياة لابدّ لها أن تجتمع لدى هذا الآخر ومن خلال الاعتراف بوجوده ومن هنا تبدأ رحلة المعرفة, رحلة الحقيقة التي تأخذنا إلى أبعد وأعمق من سطحيّة الأنا ومركزيّتها التي هجرتها البشريّة مُذْ خَلْقِ الثنائيات التي ما كانت في يومٍ من الأيّام متضادّة بقدر ما كانت متكاملة . إنّه لمن الصّواب أن نعرف , ولن نصل إلى المعرفة ما لم نؤمن بأنّنا لسنا على كفاية من العلم والإدراك وهنا لابدّ لنا من السّعي نحو إلغاء الأنا التي تتمركز حولها الأشياء وتربطها بالإنجازات العظيمة التي ما هي إلا الوهم الذي تعيشه الأنا في غياب الآخر , الآخر الذي يأتي ليصيّرنا في حالة من السّؤال والتّساؤل حول ماهيّة الموجود إذا كنّا غير مُدركين لعلّة الوجود, ولكن ثمّة أمرٌ علينا أن نشير إليه ألا وهو أنّ العيون أداةٌ من أدوات المعرفة والإدراك وإنْ كانت ليست بالأداة الكافية بل إنّها الباب الذي من خلاله تأتي المعرفة فليست المعارف بالعيون ولا القراءة كذلك , إذ من غير المعقول أن نبدأ بالنتيجة التي نقرّرها سلفاً ثمّ نبدأ رحلة السّؤال والبحث وننتهي بالقول: إنّ النّتيجة هي ما كنّا قد قلنا قَبْلاً, نعم إذا أردنا أن نعيَ مَنْ هو الآخر فما علينا إلاّ أنْ نذهب إليه وعندها سنجد الإجابة على السّؤال: مَنْ هو في حضرة الأنا.

نعيم علي ميّا

تصفح المزيد..
آخر الأخبار