أغــــــانٍ لــــم يجافهـــا الزّمــــن

العدد: 9486

الثلاثاء: 10-12-2019

 

في إحدى جلساتنا النسائية تبادلنا أطراف الحديث ونا

لت الحياة اليومية وهمومها وأثقالها نصيباً وافراً من الحديث، وكانت للثقافة حصّتها أيضاً، خاصّة وأن معظم الحضور من أهلها أو لهم صِلةٌ بها كإعلامياتٍ متابعاتٍ للشأن الثقافي ونشاطاته.
ومن ضمن الموضوعات التي تناولناها موضوع الأغنية الحديثة وما طرأ عليها من تغييراتٍ أبعدتها عن أسماعنا، حتى لم نعد قادرين على حفظ ولو مقطعٍ واحدٍ منها، أو تذكّر كلماتها، أو أسماء مغنّيها وكتّاب كلماتها وملحّنيها، مع صعوبة دندنتها والشدو بها، إيقاعاتها سريعةٌ وغير متوازنةٍ، موضوعاتها غريبةٌ ولا تمتّ إلى عاداتنا ويوميّاتنا بصِلة، رغم أنّ لها جمهورها ومحبّيها، وتلقى انتشاراً في أوساطٍ محدودةٍ، يصعب على باقي الأجيال تتبّع أخبارها ومطربيها.
وبدأنا المقارنة بين زمني الأغنية، إذ وجدت إحداهنّ أنّ أغاني أيام زمان قد علقت في ذاكرتنا، كلماتٍ وألحاناً وأسماءً، رغم اختلاف الأجيال وتباعد الأيام، لكنّها كانت ومازالت محافظةً على ألقها وحضورها، لها أصالتها وحضورها اللائقين ووقعها المحبّب على الأسماع، ترتقي بالذّائقة الفنية، وتثير في النفس المشاعر والأحاسيس.
ليس هذا وحسب إنّما تميّزها يمتدّ ليشمل سرعة وصولها في الماضي رغم صعوبته، حسب رأي إحدى الزميلات، بينما الآن ومع السّرعة المضاعفة في الانتشار والوصول مع تعدّد منصّات التّواصل الاجتماعيّ الفنّية وغير الفنية، ومواقع الإنترنت والصّفحات الخاصّة والشّخصية، لكنّها أشبه بموجةٍ محمّلة بالزّبد، يطفو قليلاً ثم يتلاشى، رغم ذلك هناك من دافعت عن الأغنية الحديثة لجهة الشّبه بينها وبين شباب اليوم وإيقاعهم السريع، وملامستها وجدانهم ويومياتهم، وطريقة حياتهم.
بالعودة إلى أغاني الماضي، أفادت أخرى أنّه يؤخذ عليها طولها وتكرار مقاطعها والتوقّفات التي تتضمّنها، بينما أكّدت زميلةٌ ثانية أنّ أغاني اليوم أشبه بالومضات، سرعان ما تتبخّر، ما تلبث أن تبدأ محاولاً استجماع كلماتها وحفظها، حتّى تنتهي.
فهل نعيش اليوم زمن انحطاط الفنّ بعد أن عايشنا زمنه الذّهبي؟ وهل ولّى عصر الأغنية الجميلة إلى غير رجعةٍ؟ وهل انقرضت الأغنية الطّربية وزالت؟ تساؤلاتٍ عدّة يجيب عليها روّاد الزمن الجميل بأنّ الأصيل يبقى مهما تقاذفته أمواج الفنّ الحاضر و(طقطوقاته) كما يسمّونها، وابتكارات أهله التي لا تمتّ إلى ثقافتنا وتراثنا بشيء، ومهما حاولوا تشويهها وتحويلها أحياناً إلى مقطوعاتٍ فيها من النّشاز الكثير.
ونلحظ الدّور الكبير الذي تلعبه الفضائيّات في التّرويج لأغاني اليوم وفنّها ومغنّيها، وتحويلها إلى سلعٍ أشبه بالإعلانات لهذا الفنّان وذاك، تريد فرضه على الجمهور كلّ ساعةٍ حتّى تجده يقفز من محطّةٍ إلى أخرى وكأنّه كائنٌ فضائيّ يجب علينا تقبّله دون حسيبٍ ولا رقيب.
ورغم حرصنا على ضرورة خروج الأغنية عن المألوف وخلع ثوب التقليدية عنها، لكن لا يجوز المساس بأصالتها وتراثها أو نسف تاريخ عمالقتها ومؤسّسيها، ببعض الطّفرات الفنية هنا وهناك، واحترام الذّائقة الفنّية السّمعية والبصرية للجمهور واجبٌ فنيّ وأخلاقيّ يحتّم على أهل الفنّ وروّاده الجدد والقدامى المحافظة عليه وعدم المساس به وبجوهره، كما لا يجوز الخلط بين الشرقيّ وما يصدّره لنا الغربيّ في مختلف الفنون، فلكلّ مجتمع إيقاعاته ونغماته الأصيلة، وذهبه الفنّي العتيق.

ريم جبيلي

تصفح المزيد..
آخر الأخبار