الكاتب ســــــامر محمد إسماعيل: كل الخيــــــــارات مفتوحة لديّ لكتــــــابة قصـّــــة جديــــــدة.. الأهم إيجاد معادل فني للواقع الموضوعي

العدد: 9484

الأحد: 8-12-2019

   

 مما لا ريب فيه أن الكاتب يرى الأشياء من زوايا بانورامية لا يدركها المراقب العادي. يوغل في تفاصيل، يمعن في الفحص و التدقيق. ذلك لأن مسؤولية جسيمة تعتلي كاهله تحت وطأة ثقافته و وعيه من جهة و تحت ضغط الرأي العام كونه شخصية عامة له ما له و عليه ما عليه من واجبات لا مناص منها بأي حال من الأحوال. في حوارنا اليوم نطرق عوالم كاتب شامل خط مداده أعمالاً قيمة ليس أولها في عالم السينما و ليس آخرها لخشبات المسرح. تصدى لمسؤولياته تجاه الجمهور العريض في داخل البلد و خارجه. امتهن التميز و الإبداع في أعماله الفنية ليحصد الشهرة كما الجوائز أينما حل. ليحجز له اسماً لامعاً على الساحتين المحلية و العربية. و لا ننسى هنا بطبيعة الحال تفاعل كاتبنا مع الأزمة السورية و تداعيات هذي الحرب العوان الظالمة ضد وجود و هوية السوري. تفاعل غني بمكنونات فنية لامست الهم و الوجع في يوميات السوري بلا مواربة أو تورية. إنه المؤلف والكاتب والصحفي والشاعر والناقد سامر محمد إسماعيل التقيناه لنقف عند تفاصيل إبداعه
* عرفناك شاعراً ومسرحياً وكاتباً سينمائياً وصحافياً، التمازج الفني والتشكيل ما بين الذات الشخصية وما بين البيئة كيف يتم تشكيلها عند الكاتب والمؤلف سامر محمد إسماعيل؟
** هذا التشكيل يتم عبر التجربة الشخصية والمكابدات اليومية التي يعيشها الكاتب، منكباً على قراءاته وتلصصه الدائم على الحياة، الواقع نوع من الأدب الرديء لا يمكن أن يتحول إلى مادة فنية دون أن يمر عبر ذات الكاتب، شخصياً أعتبر أن حياة أي إنسان هي تجربة فريدة، وليس بمقدور أي شخص تدوينها، هذه ملكات وقدرات تنمو مع التجربة والمران اليومي على تلخيص الحياة وتكثيفها في نص، الأهم برأيي أن يمتلك الكاتب لغته الخاصة ويسعى دائماً لتطويرها.
* ما هي الفروق بين الكتابة لأجل المسرح والكتابة لأجل السينما؟ ما هي الهيكلية في تشكيل تلك النصوص والمفارقات بينها؟
** الفارق شاسع، كل كتابة تختلف عن الأخرى، الشرط الفني للكتابة للمسرح تختلف عنها في الكتابة للسينما لعل أبرزها الحوار في الكتابة للمسرح، أما في السينما فأنتِ أمام كتابة لفن زمني له ملامح بصرية، وعليكِ أن تروي عبر الصور، لكتابة بالصور للسينما تتطلب قدرة استثنائية لجعل سيناريو الفيلم مقطعاً عرضياً من الحياة. ليس الحياة وإنما شذرة منها زاوية نظر في المسرح يلعب الحوار دوراً حاسماً في التعريف بالشخصيات وتبيان طبيعة الصراع وتطويره، في كلا هذين النوعين من الكتابة يجب أن نسعى لتقديم مادة درامية مشوقة وجذابة.
* النص العربي إلى ماذا يفتقد، وما هي أسباب العلّة في نقص مقوماته، كيفية المقاربة في تطويع النص الغربي لصالح النص العربي؟
** النص العربي الدرامي هو سلسل ألف ليلة وليلة، إنه قص توليدي يعتمد على توليد القصة الفرعية من القصة الرئيسية أو ما يسمى القصة الشارحة، في النص الغربي هناك تفوق على صعيد موضوعية النفس البشرية، الصراع الداخلي بين الشخصية وذاتها من مثل هاملت وفاوست وأدويب على عكس ملحمة جلجامش التي تعبر فيها الشخصية الرئيسية عن صراعها مع الغيب وتروي ببساطة قصة رجل رفض أن يموت وقضى عمره في البحث عن الخلود.بهذا المعنى لم تعترف الدراما العربية حتى الآن بموضوعية النفس الإنسانية. مجمل ما كتب يركز على تناسل قصص من قصة مركزية على غرار الجدة شهرزاد التي برعت بهذه الطريقة من الروي. لا زلنا حتى الآن لم نصدر شخصية درامية مثل عطيل أو الليدي مكبث، مع أن ديك الجن الحمصي مثلاً أغنى من أوتلو، وهو أيقونة لدراما لم تكتب بعد إلا كمسرح شعري يغلب عليه القالب الغنائي
* للمؤلف عين ثاقبة في تطويع الحدث وإبرازه ،كيف يظهر هذا التطويع من خلال نصوصك التي تخص الأزمة السورية؟ّ
** تطويع الحدث في الأزمة السورية كان صعباً للغاية، لقد تجاوز الواقع المخيلة في سورية، وأصبح أي عمل من مسرح أو سينما أو تلفزيون عاجزاً عن اللحاق بالواقع السريالي الذي نعيشه منذ آذار 2011. لهذا ازدادت مهمة الفن صعوبة وازدد معها صعوبة مهمة الكاتب، فإذا كان التعريف البسيط لفن الإخراج هو إيجاد حل لمشكلة النص، فإن تعريف الكتابة هو إيجاد حل لمشكلة الحياة ذاتها. من هنا قدمت قصصاً مختلفة في (سلّم إلى دمشق) الفيلم الروائي الطويل الذي أخرجه محمد ملص، مثلما قدمت سيناريو (ماورد) الفيلم الروائي الطويل الذي أخرجه أحمد إبراهيم أحمد، ومثلما في مسرحية (تصحيح ألوان) المسرحية التي حصدت جائزة أفضل نص وأفضل تمثيل رجالي في مهرجان أيام قرطاج المسرحية لعام 2018. كل الخيارات مفتوحة لدي لكتابة قصة جديدة وجذابة، لكن الأهم لدي هو إيجاد معادل فني للواقع الموضوعي.
* نلت جوائز عدة، هل بالإمكان أن تحدثنا عنها؟
** الجوائز التي نلتها في الشعر والمسرح والسيناريو السينمائي جعلتني أكون أكثر شعوراً بالمسؤولية، ولقد دفعتني للثقة بما أعمل.. هذا مهم جداً لعمل الكاتب، وخاصة في بلادنا التي يجد الكاتب نفسه فيها وسط عراء تام التكوين، الكاتب في هذه المنطقة من العالم يكتب بنخاعه الشوكي وبجلده وببصلته السيسائية، لهذا فهو يحتاج الكثير من الرعاية، الكاتب لدينا من ذوي الاحتياجات الخاصة.
* «يحدث في غيابك» اسم لفلم أطلقتموه مؤخراً من تأليفك وإخراج سيف الدين سبيعي، ما هي الرسالة التي تود إيصالها؟
** يحدث في غيابكَ ينبش في الشخصية السورية، محاولاً تقديم إجابة مختلفة عن الحرب وعن أثرها على الإنسان السوري، وهل استطاع هذا الإنسان أن يحتفظ بإنسانيته في أقسى وأصعب الظروف، الفيلم يقدم هنا إجابة على هذا السؤال، لكن دون أية مباشرة أو سعي للدعاية أو الإطناب. إنه فيلم يبحث في المخيلة الجماعية للحرب عبر قصة فردية تجمع رجل بامرأة في فضاء خطر ومهدد.
* كلمة أخيرة؟
** كلمتي الأخيرة هي أننا في سورية أحياء بالمصادفة، وكل ما يمكن كتابته اليوم هي وصايا لأناس أخطأتهم قذيفة أو سيارة مفخخة أو صاروخ أو طلقة، من جهتي أعيش لأكتب ولكي أتمكن أولاً من معرفة نفسي مقتبساً بذلك مقولة المعلم سقراط: «اعرف نفسك» أعتقد أن الكتابة هي المعول الذي يحفر في قبور النفس وبساتينها الغناء بشكل متوازن وحيادي.أتكلم طبعاً عن الكتابة وليس عن الإنشاء ولا موضوعات التعبير التي تطفح بها صفحات الفيس بوك وسواها من وسائل الميديا المتوحشة.

نور محمد حاتم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار