العدد: 9484
الأحد: 8-12-2019
إنّ حروب البشر هي حروب الأفكار التي لا نريدها، ولا نقبلها، أو تلك التي نريد أن نفرضها على غيرنا بالقوة، خارج هذه المعادلة لا يقتل الإنسان أخيه الإنسان ولا يوجد لديه دافع حتى إلى التطلع إليه، إنّ الأنظمة سواء أكانت سياسية أو دينية أو اقتصادية هي مجموعة معينة من أفكار وعقائد يؤمن بها عدد محدد من الأفراد يتطلعون إلى استمراريتها، ورؤية الباقي من العالم تحت جناحيها، إنها أفكارهم ووجهات نظرهم التي يعتقدون أنها الأكثر صوابية، بهذه الرؤية استهلت الأديبة كلاديس مطر محاضرتها التي حملت عنوان: (الخوف من الفكرة) وذلك في صالة الجولان بمقرّ فرع اتحاد الكتّاب العرب في اللاذقية، ونظراً لأهمية المحاضرة نسلط الضوء على أهم ما جاء فيها من محاور وأفكار وإيضاحات.
بداية أشارت مطر إلى أن الحروب قد تقوم من أجل المصالح الاقتصادية، وإعادة توزيع موارد الثروة والخامات بطريقة جديدة، وذلك بحسب استقطابية القوى المهيمنة وقوتها العسكرية والمادية، وهذا هو الظاهر، أما الباطن فيقول كلاماً آخر: إنّ النظام العالمي هو توليفة من الأفكار المرتبطة ببعضها بطريقة تجعلها تمثل عقيدة متكاملة بحد ذاتها، لها اتباعها ومريدوها والمدافعون عنها، وكذلك المناهضون لها، والمناهضون لها ولفكرتها هم من يطلق عليهم اسم الأعداء.
فيما يتعلق بمحرك الخوف أوضحت المحاضرة: إنّ كل فكرة الاستعمار واغتصاب الأرض والاحتلال ما هي إلا هذه الرغبة الدفينة بجعل المناطق المحتلة تشبه تماماً تلك التي أتى منها المحتل، فهي عملية نفسية كبرى ترمي إلى إعادة إنتاج هوية المحتل كفرد وكتراث من خلال نزع تراثه الخاص، وإحلال مكانه تراث وأفكار الغازي، أما محرك كل هذا فيمكن اختزاله بالتالي: إن العالم الذي يشبهنا هو الأكثر أماناً بالنسبة لنا، والحياة في وسط تعددي أمر لا يمكن لنا السيطرة عليه أو إدارته، وهو غالباً ما يكون ملآن بالمفاجآت حتى الدول التي تؤمن بالتعددية والتسامح العنصري والإثني تخاف من الاختلاف، وتعتبره ضمناً نوعاً من التهديد (أمريكا مثلاً) إن فكرة تحويل الفرد إلى رقم أو إلى شبح لا يتميز عن الآخر أتت تماماً من الخوف من التميز والتفرد والتعددية والأفكار المختلفة التي تتطلع إلى فرض نفسها عن طريق تمردها، وإعلان خصوصيتها، وهناك أمثلة لا تحصى عن صراع الأفكار في العالم الذي تحول إلى صراع مسلح دموي ومازالت جذوته متقدة وقائمة، وبينت مطر أن الحل يكمن في العقل الإنساني في تثقيفه وتربيته على أسس جديدة كلياً جيلاً بعد جيل لعل وعسى أن تتغير طبيعته قليلاً، ويتبنى فطرة جديدة نظيفة تقبل بالفكرة المختلفة وباللون المختلف وبالعقيدة المختلفة ووجهة النظر المختلفة من دون أن يختل توازن الهوية الأصلية التي يجب أن تتطور ضمن عملية الصيرورة الزمانية والمكانية الطبيعية، أما العناصر التي يسمح بدخولها فهي العناصر الأخلاقية مثل النظافة أو الصدق أو الأمانة أو محبة الآخر.. إلخ وذلك إذا لم تكن هذه من ضمن القيم الموجودة في الهوية الأصلية وفي ثقافتها. وختمت الأديبة كلاديس مطر محاضرتها قائلة: إنّ هذا العالم لم يفن إلى هذه اللحظة ليس بفضل ثورات ستيف جونز أو الثورة المعلوماتية أو ثورة الأقمار الصناعية أو ثورة الهندسة الوراثية أو العلمية، وإنما لأن هناك أفراد قلائل مازالوا يعملون لكي تقول فكرتك المختلفة من دون حروب أو هيمنة أو قسر.
رفيدة يونس أحمد