العدد: 9483
الخميس:5-12-2019
يبدأ الحديث مع الفنان جرجس جبارة ابن اللاذقية وقد لا ينتهي، يشدك هذا الإنسان الصادق، المتواضع جداً، العفوي، وبسمته الدائمة على وجهه، وكأنك تعرفه منذ سنين.
وكما عرفناه على الشاشة هو نفسه على الواقع بلا تكلّف وقريب جداً من الروح والقلب والفكر.
يشبه جرجس جبارة من يجلس معه، وقد يكون هذا الصدق واحداً من أهم العوامل التي جعلت في قلوب جماهيره له مكانة مميزة من الحب والاحترام والشعبية الكبيرة، هو الذي لم يتخل يوماً عن بيئته وحارته وبساطته ليحجز مكانة فنية في سجل الذاكرة السورية.
يرفض الفنان جبارة أن تُؤطّر مسيرته الفنية بالكوميديا، أو يصنف الفنان جبارة وببراعة عبر أدواره التراجيدية الكثيرة لعقود عمل في المسرح والسينما والتلفزيون وترك فيها جميعهاً أثراً طيباً.
استغلينا فرصة تواجده في منزله في اللاذقية، وكانت للوحدة زيارة له هناك، ومعه كان هذا اللقاء الممتع..
* جرجس جبارة أنت فنان من اللاذقية فما هي مكانة اللاذقية في قلبك وماذا تقول لمحبيك من أهلها؟
** أشعر بالفخر الكبير أنني من اللاذقية، مجرد اسم اللاذقية مقترن عندي بالحضارة والحضارة المميزة جداً وأتمنى من أهل اللاذقية، بكل حبّ، أن يحافظوا على هذه الحضارة وهذا التاريخ العريق وألا يشوّهوه، لأن اللاذقية بلد الثقافة بكل أطيافها الأدبية والفنية، اللاذقية تاريخ يجب أن يعتز به، ليس اللاذقاني فقط، بل كل من ينتمي إلى الطائفة السورية، والمطلوب في الأجيال المتعاقبة الحفاظ على تاريخها، لأن هذا التاريخ الشامخ، الفريد، ليس متوفراً عند كل شعوب العالم، فهناك من يبحث اليوم عن جحر ليثبت أن له تاريخاً، ونحن أصحاب التاريخ الضارب في القدم يجب أن نحافظ على إرثنا.
* بالعودة إليك وإلى مسيرتك الفنية الطويلة والتي أخذت الكوميديا حصة كبيرة منها أدخلت من خلالها البسمة للملايين، كيف كانت خطوة البداية مع الكوميديا؟
** البداية مع الكوميديا لم تكن صدفة، فأنا إنسان لا يؤمن (بمحض صدفة) وخاصة في مجال ثقافي وفكري، المخرج المبدع هشام شربتجي هو من أحس أن لدي هذه الروح الكوميدية، وكان له الفضل علي بأن بدأ ينمي لي هذا الحس الكوميدي عندي.
الكوميديا، على عكس ما يراه أو يفهمه البعض، هي أن تكون صادقاً، وأن تكون أنت، وأن يكون الممثل صادقا ومحباً للشخصية التي يؤديها، يجب أن يحترم الشخصية التي يؤديها لكي تحترمه هي، وعندها فقط يصل لقلوب الناس بسهولة، وتكون الكوميديا معها جواز سفر سهل.
الكوميديا لا تُمثل، هناك روح، إحساس، صدق أعطيه أنا للورق، الكوميديا على الورق مادة جامدة، من يعطيه الروح والدم والحياة هو الممثل بالاتفاق مع المخرج.
* من غير الممكن أن نجري لقاء مع جرجس جبارة من دون ذكر مسلسل ضيعة ضايعة، الذي يراه البعض تتويجاً لمسيرتك الكوميدية خاصة والفنية عامة، فماذا تقول عن هذه التجربة المضيئة في تاريخ الفن السوري أيضاً؟
** تعاملت مع دوري في (ضيعة ضايعة) مثله مثل أي دور عملته سابقاً، والصراحة لم يكن أحد من كل الكادر الفني يظن أن هذا العمل سيكون بهذا الانتشار والإعجاب عند الناس، توقعنا له النجاح، ولكن ليس لهذه الدرجة فدرجة انتشاره وإعجاب الناس به كانت مفاجئة وتخطت حدود المفاجأة بكثير، وبرأيي العامل الأهم لنجاحه كان حالة الحب لهذا العمل والحب بين أفراد أسرة العمل بعضهم ببعض، وعنصر الطبيعة الخلابة التي عملنا بها والتي كانت أحد أبطال المسلسل، أحبتنا وأحببناها، الكلمة الوجدانية التي تصل لقلوب الناس بسرعة، وإذا جمعنا كل هذه العوامل نجدها موجودة بهذا العمل الذي ابتعد تماماً عن التنظير كنا ناساً مثل بقية الناس.
* ضيعة ضايعة أيضاً أعطت شهرة لـ (اللاذقية) وكان العمل خير سفير للتعريف بها.
** لهجة اللاذقية كانت أحد أبطال العمل، وكان الخوف ألا يفهمها الناس على صعيد العالم العربي، لكن الناس فهمتها لأن فيها حالة صدق وقدر الناس على فهم المشهد الدرامي بالعموم، كان العمل أحد أفراد عائلتهم تعدى حدوده العالم العربي، ليصل إلى دول أجنبية فيها جاليات عربية طلبوا المسلسل على أقراص مدمجة وكان طلبهم، وبالفعل عمل (ضيعة ضايعة) مسلسل استثنائي في الدراما العربية وأتمنى أن يكون هناك تجربة لمسلسل آخر بنفس الصدى.
* عملت أيضاً في مجالات المسرح والسينما والتراجيديا فماذا تخبرنا عن تجاربك فيها؟
** عملت على المسرح من عام 1969- 1985 من خلال الاتحاد الوطني لطلبة سورية واتحاد شبيبة الثورة، ثم مسرح الهواة في المركز الثقافي العربي والمسرح الجامعي، وأحس بحنين لأعود للمسرح، ولكن المناخ العام لا يشجعني لأعود، أشتاق إليه بالتأكيد، فأنانية الممثل لا يشبعها إلا المسرح أيضاً بالنسبة للسينما كان لي تجارب عديدة منها 8 أفلام روائية قصيرة 7 منها للمؤسسة العامة للسينما، وفيلم من إنتاج مصري، وإخراج المبدع شريف عرفة (أولاد العم) إضافة لأربعة أفلام روائية قصيرة وبالنسبة للتراجيديا شاركت بمسلسلات لا يمكن حصرها هنا ويحضرني الآن مسلسل (مسافة أمان) وخماسية (دقة قلب) وأذكر أول عمل تلفزيوني (أحلام حمود) سنة 1989، وسهرة تلفزيونية (الديك) كانا من إخراج محمد إسماعيل آغا، وشكلا انطلاقتي الأولى في عالم التلفزيون.
* وأين وجدت نفسك بشكل أكبر بين كل هذه الأجناس التمثيلية؟
** وجدت نفسي في السينما بشكل أكبر، السينما حالة ثقافية متطورة جداً عن الدراما التلفزيونية وهذه الأخيرة أسميها أنا (الدراما الإذاعية المصورة) السينما فن مختلف تماماً عن بقية الفنون التمثيلية السينما يعني الخلود والفن الدرامي لا يظهر بشكله الصحيح إلا من خلال السينما، لأنها تعتمد على الصورة بالدرجة الأولى الصورة هي البطلة.
* بالحديث عن السينما شاركت بفيلمي (عزف منفرد) و( درب السماء) لكنهما لم يعرضا لغاية اليوم ما السبب؟
** بالنسبة لعزف منفرد عرض جماهيرياً لأسبوعين فقط في سينما سيتي (city) في دمشق، وفيلم درب السماء عرض عرضاً خاصاً منذ أيام ولا أعرف الأسباب وسيعرضان حسب خطة المؤسسة العامة للسينما والمفروض أن يعرضا قريباً، وأترك للمشاهد تقييم الفيلمين وبانتظار العروض الجماهيرية سيُعرف الصدى.
* بين الكوميديا والتراجيديا ماذا تفضل؟
** لا أحب أن يستهويني اختصاص تمثيلي على آخر، ويجب ألا يكون هناك اختصاص للممثل بل عليه أن يمثل كل الأدوار، تاريخي، كوميدي، تراجيدي، ثابت في أعمالي الكوميدية أن هناك روحاً معينة أعطيها للشخصية هي من حددت لعملي هذه الحالة، أنا لا أقبل أن أُؤطر بإطار الكوميديا الصرفة، لأنني ممثل أجيد كل الأدوار الدرامية.
أنا نفس الشخص مع الكوميديا والتراجيديا طبيعة الدور هي التي تفرض الحالة علي أنا، وأنا من أعطي لهذه الحالة الحياة.
* عبرت كثيراً عن عدم رضاك عن دورك في باب الحارة، فهل لنا أن نعرف السبب؟
** ارتبطتُ بباب الحارة ولم يلزمني أحد، ولكن زيادة عدد أجزائه صار نوعاً من الاجترار، إضافة إلى تشويه أحياناً للبيئة الشامية التي ظهرت بشكل غير صحيح.
* بالانتقال للحديث عن الدراما العربية المشتركة، برأيك هل نجوم سورية أضافوا لها، أم هي من أضافت لهم؟
** كون الممثل السوري طُلب إلى الدراما العربية فأكيد هو الذي أضاف لها، أضاف لها عامل التسويق التجاري، حتى لا نبخس بحق الدراما العربية ودائماً عملية البحث عن ممثل نجم أو غير نجم هي لعبة تجارية وليست فنية، في سورية ممثلون مهمون جداً وليسوا نجوماً، إن الممثل السوري مهما كان تصنيفه فهو يضيف إلى أي عمل درامي يعمل فيه سواء كان عملاً عربياً أو إقليمياً.
* ألا ترى تراجعاً في شركات الإنتاج في سورية، ما دفع الممثلين إلى التجارب العربية؟
** لا شك أن شركات الإنتاج في سورية اضمحلّت وأصبحت قليلة جداً كان الإنتاج الدرامي السوري يعتمد على رأس المال الوافد، ونتيجة المقاطعة الاقتصادية التي فُرضت علينا مما أثر على جودة وكم الأعمال الدرامية التلفزيونية التي كانت تصور في سورية، والتراجع في الكم بشكل أكبر، لأنه لا زال هناك أعمال درامية على مستوى جيد جداً ولكن قليل، المجال الدرامي التجاري مثله مثل أي مجال تجاري آخر، دخل عليه تجار الحروب، والهدف الربح الزائد على حساب نوعية العمل وهذا ما أثر على جودة الدراما السورية وتراجعها.
مهى الشريقي