العـــــدد 9481
الثلاثـــــــاء 3 كانون الأول 2019
يا لهذه الكهولة التي أرهقتني بكهولتها وأرّقتني في مضجعي الذي افترشْتُه أشواكاً تؤلمني وذكرياتٍ أقتاتها على مواجع الذّكرى والأحلام التي غادرتني مذ أنْ كنتُ في ريعان الشّباب, وأذكرها كيف حزمت حقائبها وأغلقت أبواباً ونوافذ كانت مشرعةً على المستقبل الذي منّيتُ نفسي والآخرين أنّي سأكون ساعياً لتحقيق كلّ هذه الأحلام التي ما كانت الأيّام لتتسعها.
بهذه الكلمات المفعمة بأنّات الوجع ومواجع الأحلام التي فرّتْ من حلمه, بهذه الكلمات كانت زفرات صديقي يتفوّه بها مُكرهاً على البوح بها وكأنّ لسان حاله يرفض أن يفضحَ ما كان من ماضٍ وما آل إليه من حاضر كان يظنّه سيكون مستقبلاً يحمل معه إليه بعض أحلامٍ وقليل انكسارات, لكنّها الأيّام التي فعلتْ فعلتها ولاذتْ بالتّاريخ فاختبأت بين تفاصيله, لكنّها أيّام لم تنسَ أن تخطّ نفسها على جبينه الذي أصبح أشبه بكتاب سُطِّرَتْ فوقه حكايات هاربة من حكايات ألف ليلة وألف ليلة أخرى, حيث لا نوم ولا راحة إلا فوق أشواك الدروب ولا ظلّ إلاّ للأعشاب التي لا ظلّ لها.
فيا وجع الدّروب ويا وجع الرفض, يا لقساوة المصير!, ما أقساه من زمنٍ يختصر نفسه بالكهولة والجوع للأيام والشباب, ذاك الشباب الذي كانت تزاحمه الأحلام ويسابق هو الأيام, لكنّه ظلّ حبيس الزّمان وكأنّه قد آل إلى صفصافة خجلى من عريها بعد أن كانت محطّ العصافير العاشقة ومستراحها, حتّى خرير الماء ما عاد له ذاك الصّوت الذي أخرسَتْه الضفاف اليابسة وقد تشققت بعد أن تيبّست والأرض جدبت, فلا الموج بقادر على أن يكون في النهر ولا النهر بقادر على أن يجري في مسرى كان يضجّ بالحياة, ويعكس على صفحته طيف ألوان قوس قزح والفراشات تتوه في سحابة اللون المركّب من ألوان الحياة.
ويبقى الكهل يصدح متألماً ويطرب لأنينه ويسأل نفسه في غنائه متى يبرعم الأمل ويتفتح الرجاء؟ ومتى ستعود السنونو التي اعتادت أن تبني أعشاشها في بيوتنا, تلك البيوت التي غادرتها الحياة فاستوطن البوم في جدرانها, وعلى الزوايا بَنَتْ العناكبُ بيوتاً فيها من مقاومة يبس الحياة ما لم يستطع هذا الكهل أن يبنيه وما كان منه إلاّ أن يبوح لي وعلى الملأ بما أسماه وأطلق على مسيرة حياته فكان القول منه: هي انكسارات الخُطا…
نعيم علي ميا