العدد: 9479
الأحد: 1-12-2019
فعاليات اليوم السادس
هو فضاء يهطل رويداً ويطهر سريعاً في غسول للروح، ينقّيها، ثم يُعيدها إلى أماكنها شفافة و شجيّة… ولطالما كانت الموسيقى ملجأً للهروب من الروح إلى الروح، في جدلية إنسانية تَقرب أو تبعد، مفاتيحها تعرف الحبّ والسلام، ورسالتها هي الصوت الصادق الصادح ليملأ المكان، لا يغدر ولا يغتاب ولا يقتل إنما يعانق شغاف القلب ليمحو بعضاً من حزن إذا لم يكن كله… ولأن الموسيقا ثقافة تُراكم وتتراكم عبر مسير الأجيال، تطبع هوية هنا وترسم تاريخاً هناك، لهذا كان حضورها قوياً في كل مناسبة أو تحية… ضمن الاحتفالية التي أقامتها وزارة الثقافة كان للغناء صوت وللموسيقا حضور بحضور جماهيري كثيف على مدرجات دار الأسد باللاذقية بحفل غنائي طربيّ، تلونت ألحانه بين الطرب القديم والحديث مع فرقة «النجوم الذهبية «بإدارة عازف الكمان «نادر سليمان» حيث ابتدأ الحفل بمعزوفة موسيقية من الزمن الجميل تلاها غناء لصوت شاب هو صلاح شعبوق الذي أنشد مجموعة من الأغاني الطربية والرومانسية منها (شو بيشبهك تشرين_ جرح الماضي- أنت وبس) مع مجموعة أخرى من الأغاني للمطربين السوريين والعرب، ومع فيروزة محرز الملقبة روزانا كان اللقاء الغنائي الثاني لتنشد مجموعة من أغانٍ طربية وفيروزيات أيضاً، ومع نفس الجوّ الطربي كان الختام مع الفنان سامر شعبوق الذي قدم وصلة غنائية طويلة لأغانٍ من زمن العمالقة، كان المميز فيها تفاعل الجمهور *ولأن الأرض ما زالت تعاهد الزمن على صون رسالتها الأولى والنوتة الموسيقية الأولى، كان لنا حوارات جانبية عن الموسيقا ودورها قديماً وحديثاً وفي هذا الظرف الحالي الذي تمر به سورية الحبيبة، وما قدموه في تلك الأمسية.
* وكانت البداية مع الفنان سامر شعبوق الذي قال لنا:» أشكر مديرية الثقافة على حسن إدارتها لهذا المهرجان وعلى جهودها المبذولة لإنجاحه، والسعي دائماً في محاولاتها للارتقاء بالثقافة نحو الأفضل، من حيث اختياراتها لنوعية النشاطات، وطريقة تقديمها، اليوم قدمت مجموعة من الأغاني التي ما زالت محفورة بالوجدان السوري والعربي، وقد اخترت هذه الأغاني بما يليق بهذا الصرح والجمهور، فنحن في جو من الثقافة لذلك كانت نوعية ما قُدّم يتناسب مع المناسبة وجمهورها الأنيقين، والطبيعي أن نبتدئ بالأغاني الوطنية المهداة إلى سورية أمنا جميعاً، فخورين بالنصر، مع كل الأماني بعودتها كما كانت وأفضل بالقريب العاجل يا رب، وأشكر هذا الجمهور الجميل وحضوره الراقي الذي تعودنا عليه دائماً».
* مع الصوت النسائي الجميل في هذه الأمسية، القادمة من حمص، فيروزة محرز(روزانا)التي قالت لنا: «أنا مدرسة موسيقا، متفرغة للعمل في مسرح حمص، أعزف على العود وأدرس الموسيقى، كما أشرف على النشاطات الموسيقية المسرحية، وقد قدمت اليوم هذه الأغاني الطربية والفيروزيات وهي المفضلة عندي لأنني قد تربيت عليها وهو لوني الموسيقي الذي أنتمي عليه وأدرسه لطلابي، ولأن الموسيقى ثقافة، ونحن قد تربينا عليها فهي هويتنا وتراثنا الحضاري، وهذه المشاركة هي الثانية لي مع الفرقة فقد كانت المناسبة الأولى باحتفالية «الحفة والعناب «قدمنا فيها حفلاً فنياً مميزاً، نال استحسان الجمهور،. – ماذا يميز الموسيقى العربية عن الغربية، وما مدى خصوصيتها؟ – الموسيقى العربية خصوصاً والشرقية عموماً تتميز بالمقامات والمقامات هي معيار، لأن اختلاف المقامات هو اختلاف ثقافات، فتنوع موسيقانا هي التي تفرقنا عن الموسيقا الغربية، هذا أول أمر الذي هو الثقافة التي تميزنا، والتي طبعت أجيالاً من الحضارة والوعي والرقي، لأن هي الحضارة بالمحصلة والشعوب تقاس حضارتها بموسيقاها، نحن تعلمنا هذا الأمر وعلمناه وسنعلمه للأجيال القادمة، وخاصة بعد أن تعرضت سورية لهذه الأزمة المؤلمة جداً، أحسسنا بمدى خطورة سير الأجيال وإلى أين، الأمر الذي ينبه في ظرف انفتاح عالمي ثقافي ، وبروز ثقافة متطفلة مخيفة، لا تشبهنا، أزعجتنا وكانت ضريبتها قاسية ومدمرة ، جميل أن نرى ونتمازج مع كل الثقافات بغية إنتاج أكبر وفاعل أكثر يخدم البشرية بجمال وحب وسلام، وهذا ما يدعونا إلى الإصرار على المحافظة على خصوصيتنا الجميلة الثقافية ومنها الموسيقية، مع تقارب عالمي نأخذ منه ما يفيد، كما كنا دائماً فنحن أبناء حضارة ومازلنا.
* في ظل الحرب هاجر الكثير من العقول السورية المبدعة ومنها الموسيقيين، كيف ترين ذلك؟ – نعم، وكما كل الحروب التي يتم فيها هجرة وانزياحات بشرية، هاجر العديد من الموسيقيين السوريين للخارج، مما جعل الحركة الموسيقية وتطورها بطيئاً نوعاً ما، رغم أن هذه الأرض تتميز بموسيقاها العريقة، وكما كل زمن تنطبع الموسيقى بمجمل التطورات الحاصلة، فقد تأثرت الموسيقى بالظروف الماضية، وليس سورية فحسب إنما العالم العربي والشرقي وحتى العالم الغربي، فقد تغيرت الموسيقى أكثر وليس للأفضل للأسف، ولكن ومع هذا فالإبداع لا يتوقف، فهو موجود بكل زمان ومكان، فالروح البشرية خلاقة دوماً، وستظل تعطي، فهناك عودة واضحة للأصالة، وبلدنا بلد الموسيقى ستظل بلد الموسيقا والثقافة، وبالنهاية لا يصحّ إلا الصحيح.
ما هي مشاعرك اليوم أمام جمهور اللاذقية؟ – الجمهور هنا في اللاذقية هو ذواق جداً ويهتم بأدق التفاصيل لأنه جمهور مثقف، وكما قلنا فالثقافة هي المعيار دائماً وهذا ما يميز الجمهور هنا في اللاذقية الحبيبة، وقد تلقيت دعماً كبيراً منهم، وأتمنى أن أكون عند حسن ظنهم ومتابعتهم دائماً، وأتمنى أن أقابل محبتهم بمثلها. *ومع الفنان الشاب صلاح شعبوق الذي قال لنا عن مشاركته على مسرح دار الأسد: «تربيت في بيت موسيقيّ، وقد ساعدني والدي جداً، قدمت العديد من الحفلات الغنائية في السنوات الماضية، واليوم لي شرف المشاركة في هذه الأمسية ضمن أجواء ثقافية راقية، واليوم قدمنا مجموعة من الأغاني الطربية والرومانسية، نتمنى أن تكون قد نالت رضا واستحسان الجمهور الذواق دائماً هنا في اللاذقية وفي كل بقعة على أرض سورية في بلدنا الغالي.
وفي الختام كان لابد من اللقاء مع قائد الفرقة الفنان (نادر سليمان) العازف والمؤلف موسيقي حول هذه المشاركة ضمن هذه الاحتفالية: «لنا الشرف بالمشاركة ضمن احتفاليات وزارة الثقافة السورية ضمن مديرياتها ومراكزها الثقافية في اللاذقية وغيرها من المحافظات، لأننا فخورون بثقافتنا العريقة، ونحن كنا دائماً ومنذ تأسيس الوزارة التي كان اسمها وزارة الثقافة والإرشاد القومي من المشاركين في تلك الاحتفاليات، أنا عازف كمان،أعمل بالتلحين والبحث الموسيقي وكنت (المايسترو) أقود هذه الفرقة للمطرب فؤاد غازي وغيره من المطربين السوريين كالفنان فهد بلان وآخرون كثر، أيضاً عملت مع الفنانين العرب كالفنان صبحي توفيق، والفنان طوني كيوان والفنان سعدون الجابر وآخرين، وتأتي هذه المشاركة ضمن سلسلة من نشاطاتنا الفنية التي نقوم بها، وقدمنا مشاركة سابقة بمهرجان الحفة والعناب، وما قدمناه اليوم كنت حريصاً أن يكون طربياً فقط، لأن الجمهور السوري جمهور ذواق دائماً.
* كم عدد أعضاء الفرقة؟ عددنا 11 عازفاً معي أنا طبعاً، على مختلف أنواع الآلات الموسيقية الشرقية، بمعنى تخت شرقي كامل، وهم من أمهر العازفين، خاصة أننا مستمرون في هذا المجال ولمْ ننقطع عن الموسيقى، وعروضنا مستمرة.
* ضمن مسيرتكم الفنية الطويلة، ما التحولات التي طرأت على الموسيقى السورية، وما دور الموسيقى في ترميم جروحنا؟
رغم الآلام التي مرت على بلدنا الغالي، لم يتوقف الأمل والفرح به، والملاحظ أن إقبال الناس على الموسيقى قد زاد، وهذا ما لاحظته من عدد الطلاب الذين زادوا وبكثرة وتهافتوا على تعلم الموسيقى، إنه مؤشر فعال يقودنا إلى أن الموسيقى متنفس وملجأ وثقافة حقيقية لشعب يؤمن بالحياة وحقه بالعيش الكريم، وأنا من هذا المنبر أوجه صوتي لأن نولي الموسيقى اهتماماً أكبر مما هي عليه، رغم ما نوليه من اهتمام واضح، لأنها تهذب النفوس وتنقيها وتبعد شبح العنف كثيراً، إنها صوت الروح المسالم، حتى أن الآلة نفسها تحزن عندما تهمل، فالكمان إذا لم يستخدم، يخرب صوته، يحتاج إلى صيانة ووقت حتى يعود إلى طبيعته، ومثله العود وأي آلة موسيقية، وأنا أقول دائماً الموسيقى روح ثانية في الجسد .
سلمى حلوم