صندوق خشبيّ

العدد: 9478

الخميس:28-11-2019

دخل المدرّس الجديد إدارة المدرسة، وقد طوى خطّ الأفق في جيبه، فكانت كلماته القليلة توحي بأنّه ليس بمدرّس النجمتين أو الثّلاث، وإنّما القمرَ بأكمله، وعلى الإدارة أن توزّع حصصه بما يتوافق ونشاطه التّدريسيّ الخاص، فالطلبة المنزليّون وذووم أشبه بجمهور كرة قدمٍ، وينتظرون من ذلك المدرّس وحده هدف النّجاح في مرمى المستقبل، ثم أضاف قائلاً: المدرّسون القدامى موجودون لسدّ الثّغرات الّتي يتركها برنامجه، وقد سبق وقدّموا واجبهم التدريسيّ له في ذات المدرسة.

ولبساطتهم فقد كان اهتمامهم موزّعٌاً على جميع الطّلبة، وأحياناً يزداد حرصهم نحو الطّالب الّذي يعاني من مشكلاتٍ درسيّةٍ وسلوكيةٍ.
وبهدف النّهوض به، فتأتي معدّلات التفوّق متفاوتةٍ وأحياناً قليلة، قياساً بالمدرّس الجديد الّذي لا يقبل في فصله التدريسيّ المتفوّق أو المنزليّ.
كان الانتقاء عنده مهمّاً، لتأتي معدّلات النّجاح باهرةٍ في نهاية العام مواكبة لسمعته المهنيّةِ، فيزداد الطّلب عليه بأجورٍ خياليّةٍ أشبه بسباقٍ يُتَوّج فيه المتسابق بلقب بطل.
هذا المدرّس الشّاب، مازال يشعر بنفسه وكأنّه شلّالٌ شتائيٌّ رذاذه يصل إلى الغيوم البيضاء البعيدة العطشى، وهو مازال يتحدّى مدرّسيه القدامى في إيصال المعلومة إلى الطّالب، وكان دائم القول: المدرّس القديم كصندوقٍ خشبيِّ تآكلتْ جوانبه وتآكل معها المثل القائل: (من علّمني حرفاً كنتُ له عبداً)، فلبس حلّةً مغايرةً تقول: (من علّمني حرفاً أعطيته أُجرة حَرْفِهِ و .. اطلبوا العلمَ ولو بأعلى أجرٍ).
خرج مدرّسنا المصاب بعمى الدّروس، ومن خلفه تلاحقه كلمةُ وداعٍ تقول: (مهما علَت الأمواج فهي لا تتمرّدُ على بحرها).

سمير عوض

تصفح المزيد..
آخر الأخبار