العدد: 9478
الخميس:28-11-2019
ضجيج يلف كيان حياتي في المدينة ويعصف بكل تفاصيلها، مزامير السيارات، أصوات الباعة المتجولين، هدير مولدات الكهرباء القادم عبر الأثير، طنين مضخات المياه المتسلل مع الرطوبة في الجدران، صراخ الأطفال في الروضة أسفل البناء، دق المطارق وجلبة العمال في البناء الجديد المجاور الذي كان حتى عهد قريب حديقة على مخطط التنظيم، تداخل أصوات الأغاني المنبعثة من جنبات الشارع حيث يتنافس أبناء الجيران في مراهقتهم، صوت التلفاز في غرفة المعيشة حيث يتسمر أطفالي أمام فيلم الرسوم المتحركة، صوت المسلسل التركي المدبلج القادم من علبة الكبريت الملاصقة لعلبتنا، قرقعة الغسالة الآلية العجوز التي تعصر مع الغسيل آخر أنفاس النزاع في محركها القديم المتآكل، أضحى الضجيج جزءاً لا يتجزأ عن رتابة الحياة وتتابع تفاصيلها اليومية بل صار اعتياداً لا أشعر به تماماً كما لا أشعر بأصوات أنفاسي في تتابع شهيقها وزفيرها لكنه اعتياد سيئ جعلني أشعر مع تقادم الأيام أنني أقرب ما أكون إلى غسالتي العجوز أعصر في دواخلي ما تبقى من روحي التي آكلتها مسننات الضجيج، لا بد من الهروب إلى السكون ولو لأيام قليلة علني أعلل نفسي بالسكون أرقيها وهل من مهرب إلى السكون خير من بيت العائلة الريفي القابع بين الجبال ؟ هناك يضحي صوت الأنفاس ضجيجاً هناك لا يعكر صفو السكون إلا تغريد الطيور في وكناتها ورقرقة المياه تنساب أسفل الوادي.
تسللت وعائلتي الصغيرة إلى بيت العائلة الكبيرة فوق سفح الجبل دون أن أخبر أحداً، جلست على الشرفة حيث يمتد فردوس الإله على مد النظر، من هذه الشرفة تيقنت أن الأرض كروية وليست مكعبة كعلبة الكبريت لكن شيئاً ما أخذ يضج داخلي شيء ما ينقص هذا السكون المطبق في بيت العائلة، هذا المنزل لم يبنَ كي يكون موطناً للسكون هذا المنزل بني كي يكون موطناً لضجيج العائلة بأبنائها وأحفادها، لضجيج ضحكاتهم ولهوهم للقائهم وجمعتهم لنقاشهم وتعاتبهم لرنين صحونهم على مائدة واحدة، ضجيج المدينة أرحم من هذا السكون المطبق والهروب من ضجيج الحياة إلى بيت العائلة لا يجدي نفعاً الهروب إلى عائلة البيت هو الأجدى، تلقفت جوالي وبدأت الاتصال بإخوتي…نحن في عطلة يجب أن تأتوا، هذا البيت لا يليق به السكون.
شروق ديب ضاهر