العدد: 9471
الثلاثاء: 19-11-2019
في أوغاريت ومن أرضها التي مازالت تتحدث عن مسير بشري وحضارات تركت آثارها الشاهدة، وفي اللاذقية التي شهدت على أرضها تلك الحضارات التي كتبت وصورت ونقشت كان للباحث والمفكر فراس السواح محاضرة عن الأيقونة السورية عاشيرة أو عشتار ضمن مهرجان « أوغاريت، الوطن الأم « قدمها في المتحف الوطني باللاذقية بحضور جمهور كثيف، والمفكر السواح غني عن التعريف فهو مفكر وباحثٌ في المثيولوجيا وتاريخ الأديان، من مواليد حمص عام 1941، تنقل بين بلدان عديدة منها أمريكا والصين حيث عمل بروفسوراً محاضراً وباحثاً، نشر 26 كتاباً، عن الأساطير، والتاريخ والأديان في الشرق، من مؤلفاته (مغامرة العقل الأولى- لغز عشتار- جلجامش – دين الإنسان- الأسطورة والمعنى- التاو في تشينغ) ومجموعة من الدراسات والأبحاث التاريخية الهامة والتي أثارت وما تزال تثير زوبعة من النقاشات الفكرية والتاريخية الهامة.
وفي البداية عرف السواح معنى الأيقونة أولاً والتي وصفها وعرفها بأنها العمل الفني الذي يكون موضوعه دينياَ وكل ما يهتم بشخصياته هي شخصيات دينية، وأكد أن ما من طروحات عفوية للإنسان سواء منها الكتابية أو الصورية التي اختلفت بكل أشكالها من الرسوم والنقوش وحتى المنحوتات التي مانزال نراها لليوم، فهي نتاجٌ ثقافي هام يدل على عصارة نتاج عقليّ وفكري، وأشار السواح إلى أننا كلما توغلنا بالتاريخ نرى أن الكتابات الصورية التي كانت سائدة في تلك الفترات تكثر على حساب النتاجات الصورية وكلما اقتربنا من الزمن للحاضر تكثر وتطغى الشواهد الكتابية على الصورية، بعدها انتقل السواح إلى عرض تاريخ الآلهة عاشيرة أو ما يسمى بعشتار باعتبارها شخصية تاريخية هامة في هذه المنطقة، واكتشافها يعد مفاجأة لأن من عرفنا عليها هو النص التوراتي في مملكة (إسرائيل)، حيث استعرض مجموعة من الصور لهذه الآلهة عبر تطور زمنها وبين السواح من خلال شروحات، براهين تتعلق بالإيديولوجيات المملوكية في مملكة (إسرائيل) ويهوذا وأصولها في ثقافة كنعان ووادي الرافدين شارحاً بعض أوجه التشابه لنصوص بداخل هاتين الثقافتين، فقال : «نستطيع أن نقول وعبر الاكتشافات أن الآلهة عاشيرة قد بدأت مع مطلع القرن الثالث قبل الميلاد ونجدها في نصوص إيبلا نحو 2500 قبل الميلاد وفي مطلع القرن الثاني قبل الميلاد نجدها زوجة عامورو، وحيث نشأت المملكة الحثية في آسيا الصغرى تحت اسم أشراتو لكبير الآلهة الحثية المدعو كورنيشا واسمه مشتق من الاسم الكنعاني بمعنى إيلأي خالق الأرض.
وتابع السواح مستعرضاً تتالي تغيير وتوالي هذا الاسم عبر العصور التاريخية والتبدلات التي رافقتها مع امتزاجها مع الحضارات الأخرى كالحضارة الفرعونية التي وصلت إلى جنوب سورية حيث اندمجت الثقافة الحضارية لتعطي صوراً عديدة لهذه الآلهة التي أخذت أيضاً ضمن تشكيلاتها وصورها رسماً ونقشاً فرعونياً، ويعود السواح ليؤكد عبر رسوم توضيحية من التاريخ إلى الحضارة الكنعانية وآلهتها مستعرضاً النصوص الأوغاريتية والمثيولوجيا التي عرفت في ذاك الوقت ورغم ما أحيط من ضبابية حتى فترة قريبة، لكنها في مجملها كانت تدلّ على عاشيرة بخصائها الأنثوية وليس بالمعطى الجنسي، إنما بالمعطى الدلالي الذي يرمز إلى الخصوبة والعطاء والتجدد الأرضي، وكما نوه إلى أن هذه الآلهة وعبر التطور الزمني كانت تندمج مع عدد من الآلهة، ليكون هناك آلهة هي عبارة عن اندماج عدد من الآلهة نتيجة للتداخل البشري الذي كان يحصل من خلال الحروب والهجرات، يضاف إلى ذلك ارتباطها والتداخل في العديد من الرسومات مع الأشجار التي هي رمز الحياة دائماً، يضاف إلى ذلك وجود الحيوانات التي تدلّ على القوة والسيطرة كالأسد والثيران اللذين هما رمز القوة، والصقر الذي كان يدعى عندهم «حورس» والذي ما زلنا نطلق عليه اسم الطير الحر والأسماك التي ترمز إلى التوالد والكثرة، كل هذه النقوش التي لم تنقش بشكل عفوي إنما كانت تتفاعل مع معتقداتهم ونتاجهم العقلي والمعرفي آنئذ، وكل انزياح بشري قدْ أعطى هيكلية خاصة مميزة لتلك الحقبات التاريخية التي كانت تدل على طبيعة الحياة التي عاشها الأسلاف.
سلمى حلوم