العدد: 9469
الأحد: 17-11-2019
لم يكن لأحد أن يتوقع رؤية سوري يذبح سورية قبل تسع سنوات تقريباً، ولم يخطر في بال أحد أن يخرج من بين ظهرانينا من هو على استعداد لبيع وطنه للعدو بثمن بخس، ناهيكم عن مشهد ذاك السوري المزور وهو يدعو الناتو وكيان الاحتلال الصهيوني لاحتلال بلده واشاعة الفوضى والدمار فيه.
وحدهم قلة قليلة كانوا يشعرون بذاك الحقد الدفين عند قسم متطرف راديكالي لا يرى نور الشمس ولا يؤمن إلا بالظلام، شأنه في ذلك شأن خفافيش الليل.
في الرياضة وحدها وفي كرة القدم تحديداً كنا نسمع عبارات شاذة من بعض الجماهير، كأن يقول البعض للاعب: لن نحبك حتى لو جلبت لنا كأس العالم، وكأن نسمع أولئك يخاطبون مدرباً بنفس المنطق، ويلعنون كل أعماله حتى لو حقق لهم إنجازات غابت عنهم لعقود من الزمن، هذه الفئة نمت وترعرعت في كنف فكر أسود لا يؤمن بالأوطان ولا بالشراكة في المواطنة، ويعتبرون أي لون غير لونهم آثم آبق لا خير فيه وإن صدر الخير منه في رابعة النهار.
جاءت الحرب اللعينة وانكوينا جميعنا بنيرانها، وطلبنا جميعاً من الله أن يخلصنا من ويلاتها، ونسينا أن الله لا يغير ما في قوم حتى يغيروا ما في أنفسهم، فالفئة الضالة عن الطريق، لازالت على نفس النهج، بل تعمق حقدها على الآخر، وباتت تجاهر بطلاقها البائن لوطنها وكرهها الواضح لأي عمل جيد قد يصب في مصلحتها.
بالأمس فاز منتخبنا على الصين وسط رهانات قسم كبير من السوريين على خسارة المنتخب، فالبعض غير مقتنع بقدرة المنتخب تحت قيادته الفنية الحالية على ترك بصمة مقنعة في التصفيات، والبعض الآخر راهن على الخسارة فقط لأنه يكره مدرب المنتخب ويتمنى أن تنكسر الجرة فوق رؤوس الجميع كي يحقق مبتغاه في طرد المدرب وإبعاده نهائياً عن المشهد.
بين قناعتين، إحداهما مقبولة وأخرى لا تملك أي منطق، فاز المنتخب وحقق حضوراً مشرفاً أمام منافسنا المباشر، وبات على بعد خطوة أو أكثر من ضمان صدارة المجموعة والعبور إلى نهائيات آسيا، والدور الثاني من تصفيات كأس العالم، وفي هذه الحالة كنا ننتظر من بعض الجماهير أن ترفع سيفها عن عنق المنتخب وقيادته الفنية لأن المنطق والعقل والواقع يملون علينا الصمت عندما نخسر الرهان، وربما يكون الخجل من أنفسنا سبباً وجيهاً للكف عن كيل الشتائم والاستهزاء بأشخاص أثبتوا في الوقت الراهن على الأقل أنهم أفضل من توصيفاتنا الكيدية التي سبقت الاستحقاق أمام الصين، ولكن عبثا، استمرت الجوقة الحاقدة بنفس (الرتم)، وزادت من كيلها للشتائم متجاهلين أن من يوجهون لهم هذا الخطاب (غير المؤدب) هم بشر مثلهم، وينتمون إلى عائلات محترمة تتابع من يشتمها على صفحات التواصل الاجتماعي، وتمتلئ صدورها بالقهر والحنق لذنب لم يرتكبوه، أي فكر ذاك الذي يحكمكم يا هؤلاء؟.
لا نطلب منكم أن تهيموا بفجر إبراهيم، ولا ندعوكم لاعتباره أفضل مدرب في العالم، ولا نستطيع إقناعكم بأنه يملك ما يقدمه لتطوير الكرة السورية، فهذه قناعات ثابتة عندكم، وربما نتفق مع بعضها في مكان ما، إلا أننا نختلف معكم جذرياً في احتقار النفس البشرية، وعدم احترام حاملها، والتنكيل بكل مل يمت إليها بصلة.
فجر إبراهيم حقق العلامة الكاملة في التصفيات الحالية، وقادنا في سابقتين متتاليتين إلى نهائيات آسيا، وربما نكون في الطريق نحو التأهل الثالث على التوالي تحت إشرافه، وهذا واقع ملموس شئنا أم أبينا، والمطلوب منا أن نتعامل مع الواقع فقط، وأن نتعامل في المستقبل مع أي واقع مستجد، لا أن نعزي الفوز لخطأ من الطرف الآخر، ونوجه كل سهامنا المسمومة لشخص بعينه عند الخسارة، فهذا ظلم كبير وتحامل أكبر لا يرضي الرب ولا العبد العاقل.
نعرف أن هذا الكلام لن يطرق آذاناً صماء عشش على جانبيها مختلف أنواع الأشنيات السمعية الضارة، ولكنها مجرد كلمة في هذا الفضاء الرياضي المريض، وربما هي كلمة لمن لم تغير الحرب تفكيره، وبقي يرزح تحت فكر الظلاميين ، ويشرب من منهل الكره حتى للملائكة.
غيث حسن