بدريــة إبراهيـــم- ديب النوح- عبــير نادر في ظهريـــــة شـــــعرية… ومحــــاكاة وطنيــــة مع المحــــكي من الســـويداء ودرعـــــا واللاذقــــية

العدد: 9469

الأحد: 17-11-2019

 

للوصل صِلاتٌ عدة، أنقاها لغة هو الشعر عندما يتغنى على مداراته وفي فضاءاته، مفردات تحاول أن تتزين بأبهى صورة، تلّف معانيها وتحتضنها بحنوّ، وتطلقها إلى الفضاء علّها تلقى من يلقاها ويسمعها ويراها، هو الشعر الأبدي الذي تغنيه الروح على مدى الأزمان، فتجلو الأحاسيس وتنبض وتغني أناشيدها في طقوس من احتفالية مزركشة بالحب، بالألم ،بكل تفاصيل الحياة…
وللشعر في فيء كونه، لغات عديدة رسمتها أرضٌ هنا، ووشمتها هوية هناك، وكل امتداد بشري استعار غيمته وكتب بها للشمس تنهيدة على شفاه أنشودة، فكان الشعر المحكي صلة ووصل وتاريخٌ وهوية. في بلدنا الحبيب سورية، امتداد للغِنى الروحي والمعرفي، هذا التنوع الذي لوّنَ أغانينا، ومازجها مع زمنها، وأطلق الصوت للريح بعد أن يوجهها نحو الحب والإباء، يمطر ألحان شجية، عذبة، تناغم كل التواقيت .
– في لقاء مع المحكي في اللاذقية يوم الثلاثاء الماضي الواقع في 12تشرين الثاني، كان للهوية السورية لقاء بدار الأسد للثقافة، وبحضور مديرها ياسر صبوح والمرشد الثقافي فيه سمير مهنا، حفلٌ شعري وزجلي للشعراء (عبير نادر من السويداء- ديب النوح من درعا- بدرية إبراهيم من اللاذقية) مع لفيف من الشعراء والمهتمين وكان البدء مع المرشد الثقافي مهنا الذي رحّب بالحضور قارئاً بعض أبيات شعرية من شعر المشاركين لتكون البداية مع الشاعرة عبير والشاعر ديب نوح في مساجلة شعرية حيث قرأت عبير من الشعر الفصيح قصائدها» عتاب- ما أجملك- كن صديقي» ليرّد عليها نوح بشعر نبطي يحاكي ما حاورته به
وليعود بعد ذلك فيقرأ كلّ منهما شعراً فردياً تضمن العديد من الموضوعات الوطنية والوجدانية، نقتطع بعض موجز مما قيل:» ديب النوح
المعلم مثل النور يزيل الظلمات
يحمل رسائل للأجيال ويشيده
ويبني كما البناء صعب البنايات
ويعلي أساسه كالقلاع العنيدة
الشعر لذة تفوق كل الملذات
وتعيش لحظة من السعادة الفريدة
– عبير نادر:
« تعاتبني على الماضي حبيبي
نسيت إني من الماضي أعاني
الهوى والشوق ما هم من نصيبي
إلاّ دموع حرقتلي كياني
تعاتبني وتسرف في عتابك
القلب ما عاد يتحمل عذابك
أشوفك غيرت عني صفاتك
ورحت تعيش وحدك يا أناني
*-وليأتي دور الساحل مع فرقته الزجلية حيث قدمت الشاعرة بدرية إبراهيم مع الشاعر علي حيدر ثنائية زجلية ومحاورات شعرية محكية تضمنت أيضاً الوطن والحب والغزل رافقهم عازف العود نقتطع من الزجل هذا المقطع:
تعبان القلب ومحتار
ما بيعرف كيف بيختار
يمكن عايش بالجنة
ومفكر حالو بالنار
ويمكن حياتو جحيم
وحاسسها متل النعيم
اللي برا والغريم
مستني يسمع أخبار».
*- ولأن الزجل في سورية قد تراجعت فعاليته ودوره كان لنا مقتطفات من حوار سريع مع المشاركين نستفهم وضع الزجل وحضوره الخجول على مدى السنوات الماضية، فقالوا لنا:
– الشاعر (ديب نوح ) وهو خريج دبلوم تربية وعلم نفس، حائز على الجائزة الأولى في الشعر النبطي وله 5 دواوين فيه آخرها ديوان بعنوان» نبضة قلب» ،شارك بالعديد من المهرجانات الأدبية في سورية وخارجها في الوطن العربي وكان آخرها في الكويت، قال لنا:» الشعر النبطي هو شعر التراث، وهو شعر الآباء والأجداد، عبر التاريخ ساد هذا الشعر من منذ القرن الأول الميلادي وكان من رواد الشعر النبطي امرؤ القيس، الشعر النبطي ينقل أحوال وأخبار الأهل والتراث و الماضي ،و لازال حتى اليوم لسان حال المجتمع، فهو يشارك في كل المناسبات من أفراح وأتراح وبشكل عام يفرق الشعر النبطي عن الشعر المحكي، الشعر النبطي مُقفّى وله وزن وقافية، أما الشعر المحكي هو شعر يشارك في اللهجة العامية لكن بعيد عن الشعر النبطي ، وبالنسبة للحركة الشعرية في سورية حالياً وبشكل عام عندهم ردة فعل على الماضي، لأن سورية تعيش أزمة إثبات الوجود والذات أمام العالم وستبقى سورية منارة بالعادات والتقاليد والفكر وسيتقى للشعر مكانته لأنه لسان حال الشعب والقبائل والمناطق الغنية بإرثها في سورية».
– أما الشاعرة عبير نادر القادمة من السويداء والتي تحمل إجازة في اللغة العربية، وهي مديرة المراكز الثقافية في ريف دمشق ،لها العديد من المؤلفات والدراسات هي( رحلة الروح من الجسد إلى الجسد- في محراب الحب- الكون يسمع )و مجموعتان قصصيتان (نساء في مهب الريح – دمعة روح ) وديوان شعري(رحيق العشق)،ورواية تحت الطبع بعنوان (الهروب من حافلة عزرائيل)، فقالت لنا:» قدمت مجموعة من القصائد الشعرية من الشعر الفصيح، بلغة رقيقة الأولى كانت بعنوان عتاب ونحن النساء نكثر من العتاب للرجل، والثانية كانت غزل فنحن عندما نعشق نحسن الغزل، أما الثالثة فكانت أمنيتنا بأن يكون الرجل الذي نتعرف عليه أن يكون غير الزوج أو الحبيب، تحتاجه المرأة صديق، ولكن الكثير من الرجال لا يحسنون الصداقة مع المرأة، فعقّبت على ذلك بقصيدة، كن صديقي أنا تحدثت بلغة الأنثى والشاعر ديب بلغة الرجل «.
-أما الشاعرة بدرية إبراهيم المربية والمعلمة المتقاعدة ومسؤولة فرقة الزجل الساحلي قالت لنا:» الأمسية بتقييمي كانت جميلة جداً لأنها تضمنت العديد من المواضيع الوطنية والاجتماعية والغزل والحب، حتى بالوصف، من عدة مناطق في سورية الحبيبة، كالشعر النبطي الذي قدمه الشاعر ديب النوح، بلهجات مختلفة والشعر الفصيح الذي قدمته الشاعرة عبير نادر القادمة من السويداء وقدمت أنا من الساحل، هذه الثنائية الحوارية بين آدم وحواء بجوانب متعددة ، هذا التنوع أضفى جمالية خاصة اليوم، أما بالنسبة للزجل والمحي في سورية اليوم وهذا الحضور الخجول، نحاول الآن استنهاض الهمم بنشاط وحيوية لإعادة الزجل السوري إلى موقعه المميز والجميل، نتمنى عودته إلى ألقه في المجتمع، أن هذا النوع من الشعر يحكي بلسان 90% من المجتمع، لأنه يستخدم مفرداتنا المحكية الدارجة في حياتنا اليومية، وينطق ويتغنوا بها غالبية الناس ، الأمر الذي يجعل الشعر المحكي واضحاً ومفهوما، سلساً في خطاب محبب إلى القلب، يحفظه الصغير قبل الكبير، فإيقاع الكلام وسهولته تساهم في قبوله وتداوله أكثر».
– في الختام قال لنا الشاعر الزجلي علي حيدر : «يجب علينا العودة وبالنسبة الشعر المحكي هو شعر مستساغ بسبب لغته السهلة على إيقاع بسيط، ويستطيع أن يعبر عن أعمق القضايا، لذلك أرى أن نعيد له بهجته ورونقه، فهو ثقافة شعوب ،لذلك علينا وأتمنى أن تنشيط تعليمه في المدارس، وتفعيل دوره في النشاطات أكثر، وخاصة أنه جزء من تراثنا ويحمل صفات هذه الأرض وتاريخها».

سلمى حلوم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار