العدد: 9468
الخميس :14-11-2019
على رداءات شتّى، نرمي أرواحنا، نلتحف معها تارةً، ونتحرر منها تارةً أخرى، رداءات يلونها الزمن، تجلوها ريحٌ، وقد تخفي معالمها ريحٌ أخرى، لكنها في هدأة تزرع تواقيت تمتد وتقصر… تلتفُّ أو تفكّ رباط الشمس الذي يدثّرها، ومع كل ارتداء شخوص تتحرك، تمسك بعقارب الساعات فتختلف، تتشابه، تحزن وتفرح، وبعفوية ترتسم على المسير هوية… تلك الهوية التي تصادر كل الشموس، تلقي بظلالها التي تكتب حكايانا، لنتدثّر نحن بالرواية في ظلال تبوح أحاديثنا الطويلة، والقصيرة، وكل تنهيدة مرّتْ بجانبنا أو عانقتنا، أو غاصتْ في متاهات الروح، تبلسم الجراح التي تغفو حين نستيقظ، وتستيقظ عندما نغفو.
مؤخراً كان لملتقى (بين دفتي كتاب) نشاطه الشهري الدوري حول رواية (بيضاء بيضاء) للكاتب الإعلامي زهير جبور والتي تحكي قصة وطن في مرحلة تاريخية عاصرها الكاتب وربط تلك المرحلة والمرحلة الحالية مع اختلاف الشكل والهيكل، لكنها حملت ذات الهم في مواجهة الأزمة تم مناقشة الرواية لجبور حيث رحب مهنا بالحضور متحدثاً عن الرواية قائلاً: (يسعدني التواجد في حضرة الكتاب دائماً، ورواية مثل هذه الرواية يجب أن يكون عدد حضورها أكبر وخاصة أنها تحمل همّ الوطن ومحاولة للقضاء على مفاهيم مشابهة للمفاهيم السائدة الآن بخطاب طائفي إقصائي تبناه الإخوان المسلمون، وخاصة أن الرواية للكاتب زهير جبور هي رواية توثيقية لمرحلة مهمة في تاريخ سورية، وإن كنا نعيش نفس الأزمة بنسبة أكبر وأضخم وبمسميات أخرى، أتمنى وأنا في حضرة المربين والمعلمين أن يكبر أعداد الحاضرين وتتوسع لتشمل المدرسة والبيت، فالمعلم هو القدوة لنفسه ولطلابه ولمجتمعه، هذا ما أتمناه معكم وسنكون في الطريق إليه).
كانت بداية الجلسة مع المربية المدرّسة رحاب جعبري تحدثت قائلةً: (تربطنا علاقة صداقة بالكاتب زهير جبور منذ ما يقارب الثلاثين عاماً, وجدت فيه الصديق الوفيّ, المخلص, الكريم, أينما حلّ يصدح صوته بالوجدان والواقع بما فيه, يعري الواقع, ويكشف الزيف والنفاق ويفضح الفساد والظلم, وهذا ما ترجمه في كتاباته ومؤلفاته والتي منها رواية اليوم -بيضاء بيضاء- الصادرة عن دار السوسن عام 2009 حيث تناول فيه حدثاً كبيراً في مدينة ساحلية صغيرة, حدثٌ ستؤمه وفود من كافة أنحاء العالم وسيخطب فيه رئيس الجمهورية العربية السورية حافظ الأسد, حيث بدأت التحضيرات لهذا الحدث قبل عام, بطل هذه الرواية هو صحفي يتابع تفاصيل الحدث أولاً بأول ويشهد على كواليسه التي لم يرها أحد, لكن الكاتب لمْ يذكر الحدث هو دورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط عام 1987, وعند قراءة الرواية نجد كأنها حلقة دائرية متشابكة حيث قدم جبور لهذه الرواية قائلاً: (هذه الرواية خارج حدود الزمان والمكان والتاريخ, الحدث فيه لم يحدث وقد يحدث في الحقيقة، شخصياته مستمدة من الخيال داخلة فيه ومستمدة منه خاضعة له ومتمردة عليه).
ليتم بعدها فتح صفحات الرواية ومناقشتها بكل تفاصيلها وجوانبها الواضحة أو المتوارية في أزقة الأحداث لتكون أولى المداخلات مع المدرس صلاح إبراهيم عضو المكتب الفرعي لنقابة المعلمين – المكتب الثقافي الذي قال: الرواية أخذت منحىً توصيفياً للواقع الصعب ومعاناة المشاركين في تلك المرحلة وكيفية تذليل هذه الصعوبات في جوّ عمل دؤوب وضاغط, كما أشار إلى بعض السلبيات الأدبية في الرواية.
قراءة أخرى للمربية والناشطة المثقفة عبير ملحم التي قرأت بعض الاقتباسات والأفكار من الرواية موضحة في مقتطع: تكمن أهمية الأدب الروائي في تدوين حقبة زمنية محددة, فإن بلغت الرواية حدّ التوثيق لتلك الفترة تكون الرواية قدْ أحدثت تغييراً مكانياً بالنسبة لقراء فاتتهم تلك الفترة.
وفي مداخلة من المربي والمدرس لمادة التربية الرياضية لؤي صقر وهو أحد صناع هذا الذي تحكيه الرواية, الذي قال في مداخلته: كان لي الشرف أن أكون أحد المدربين في اللوحات الخلفية, وكنت من الكادر الذي عمل وأشرف على مرحلة جميلة عاشتها اللاذقية ضمن دورة ألعاب البحر المتوسط, حيث الهاجس لدينا هو محاولة تذليل الصعوبات القائمة من أجل إنجاح العمل, مع جو من الخوف المستمر من عدم نجاح العمل لكن النهاية المبشرة والناجحة وجدناها بدموع الفرح.
في نهاية الجلسة للكاتب زهير جبور ردّه ورؤيته للعمل في إطار ما طُرِح من مداخلات فقال عن الرواية: موضوع القراءة بحدّ ذاته موضوع مهم, ويجب أن نشجعه, بغض النظر عن كوني أنا أو غيري في طروحاته, يجب أن نعمل عليه ونحققه خاصة أن الاتجاه هو العودة للكتاب وفتح هذه الملتقيات يجب أن تتحقق بين الأسر بعضها مع بعض, يجب أن يعود دور الأسرة في تكريس مفهوم القراءة والمناقشة لمنتجات العقل الأدبية وغيرها, لتوريث هذا المفهوم للأجيال ويجب أنْ تكون ثمة جهات تهتم وتدعم وتعمل على تشجيع مفهوم القراءة بكل وسائل الاتصال وغيرها, أما فيما يخص رواية (بيضاء بيضاء) هي عمل ليس تسجيلياً بل عمل توثيقي وقيمة الرواية ستكون بعد 50 سنة قادمة, ولكن لسوء الحظ لمْ يهتم أحد بسورية وخاصة في ظلّ إغفال الإعلام الغربي بقصد تهميش أي فعالية ثقافية أو حضارية لسورية, فالأهمية في هذا العمل الذي كنت أحد أفراد صناعه, ولاسيما أن المدينة الرياضية هي واحدة من أهم معلمين حضاريين للاذقية مع جامعة تشرين, وبناء المدينة الرياضية أتى في ظل توقيع الرئيس الراحل المؤسس حافظ الأسد عندما وقّع ما نصّتْ عليه ورقة دورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط, كان بالنسبة لسورية مغامرة وبالنسبة للاذقية مغامرة أكبر لمدينة لمْ يتجاوز عدد سكانها وقتئذ (150000) نسمة والظروف الصعبة والمواجهة بين التحضير والتجهيز والإنجاز, حيث كان العمل نوعاً من التحدي الإعلامي والبشري لكل دول العالم, بكل ما تحتويه كلمة تحدي الظروف والطبيعة الجغرافية لمدينة صغيرة لا تحتمل هكذا نشاطات وكان لنا النجاح.
واختتم جبور حديثه قائلاً: يجب أن تتجدد ذكرى ألعاب دورة البحر الأبيض المتوسط, وهذا الإنجاز العظيم لأنه مرتبط بذاكرة بناء سورية الحديثة, وكل شعاراتنا التي نربطها حالياً بذاك الحدث العظيم, تلك الأجيال التي قدمت حدثاً سوريّاً يجب أن يلد ويتوالد منه أحداث أعظم وأكبر, وليكن دائماً وكما كان بناء البشر مع الحجر, نحن بحاجة لتوثيق تلك الفترة وهذا ما عملت عليه لأنني وجدت أن توثيقه متواضع, حيث لا يوجد ما يفي من توضيح لتلك الفترة التي تحمل نفس التحدي الوطني الخارجي والداخلي.
في نهاية الجلسة وعند إغلاق الدفة الأخرى من هذا الكتاب كان لابدّ لنا من وقفة حوارية مع المسؤولة عن فتح هذه الأوراق حول آلية الطروحات المقدمة ودور القراءة في تعميق وإثراء العقل في مواجهاته الكثيرة في هذه المنطقة عموماً وسورية خصوصاً فأجابت رحاب جعبري عن أسئلتنا الآتية:
* متى تأسس ملتقى (بين دفتي كتاب)؟
** نشاط بين دفتي كتاب مستوحى من فكرة أتابعها في المكتبة العمومية للأطفال بدار الأسد باللاذقية وتسمى (فتح كتاب), بعد حضوري لنشاطاته, وبعد تكليفي برئاسة شعبة المنطقة الأولى لنقابة المعلمين في ظلّ الوضع الراهن للثقافة العامة لمعلمينا, رأيت أنه من الضروري نقل هذا النشاط, فطرحت الفكرة على الزميل المربي علي اسبر رئيس المكتب الفرعي لنقابة المعلمين, حيث وافق عليه وشجعه وأكد عليه من حيث أهميته لنعزز معاً أولاً تعميق ثقافة المعلم الإرادية وثانياً حسن استخدام التكنولوجيا بربط الموبايل أو الكومبيوتر بملف الـ ب دي إف، وثالثاً العدوى حيث يمكننا نقل هذه الثقافة للأبناء والطلاب وبالتالي ينعكس على المجتمع ورابعاً نجد أن التقنيات العامة والسائدة في المجتمع تجعل أبناءنا وأهلنا يضعون حالات مجتزئة أو كتابات مقتبسة من بعض الكتب التي لمْ يقرؤوها أصلاً لكنها موجودة اقتباسات في الجوجل وعملية نسخ ولصق فمن واجبنا أن يكون لدينا سعة أفق واطلاع ومعرفة ولا يمكن الحصول على ذلك إلا من خلال القراءة ومن هنا بحثنا على عنوان للنشاط وكان (بين دفتي كتاب).
* ما المواضيع التي طرحتموها سابقاً وآلية اختيار تلك المواضيع؟
** تألفت لجنة لاختيار الكتاب ونطرحه على صفحات التواصل الاجتماعي وننشر رابط الكتاب وطريقة التحميل ونقرأه خلال شهر ونجري في جلسة واحدة مناقشة هذا الكتاب من حيث أفكاره في مقر الشعب النقابية بساحة حلوم, فنحن نقرأ 12 عملاً أدبياً خلال السنة, وقرأنا للآن 6 أعمال أدبية خلال الستة الأشهر السابقة التي بدأنا بها هي (الياطر لحنّا مينة- قواعد العشق الأربعون لإيلاف شاق- حيونة الإنسان لممدوح عدوان- وراق يبيع كتب النجوم لأدونيس- قصة حبّ مجوسية لعبد الرحمن منيف- واليوم بيضاء بيضاء لزهير جبور).
* نشاط القراءة هو فعل واعٍ… الهوة الموجودة في مجتمعاتنا بين القراءة وفعلها, كيف ترونه؟
** الملاحظ هناك عزوف عن القراءة وذلك لعدة أسباب منها قلة الوعي لدى العديد من الناس فيما يتعلق بأهمية القراءة لبناء الإنسان الجاد والمثقف, الواعي بأحوال أمته بالإضافة إلى حالة اليأس والإحباط, يضاف إليه غياب مفهوم التعليم والتثقيف الذاتي عند الكثير من الناس كما أن الحرب التي بها سورية أثّرتْ بفقدان الاستقرار الحياتي, يضاف إليه عدم تنظيم الوقت وتدني مستوى المعيشة مع الغزو الثقافي وترويج ثقافة سطحية استهلاكية مع غياب دور الأسرة والمعلم وعدم احترام المجتمع لمثقفيه, مع التنويه إلى وجود أزمة خطاب لدى النخبة حيث يرتفع المثقف بخطابه عن القارئ العادي, وغياب ثقافة الكتاب في البيوت والمؤسسات التربوية, في ظل غياب لدور الأسرة والمعلم مع غلاء أسعار الكتب, الذي يصبّ كله في إطار فقدان إرادة التغيير, مع ( دفتي كتاب ) والتي هي محاولة للعودة إلى طريق القراءة, نأمل أن ننجح لتكبر وتمتد إلى كافة المناطق والمؤسسات, لأننا نؤمن بالعقل السوري وحيويته وإيمانه بأرضه وحضارته.
سلمى حلوم