فضــــوليٌّ في إجـــــازة

العدد: 9466

الثلاثاء: 12-11-2019

 

لشدّة فضوله، فهو يحشُر رأسه في الغيوم، ويؤكّد على تلوين أسراب النّحل بألوان الأزهار التي تحطُّ عليها، ثمَّ يمضي بفضوله، فلا يترك عاشقاً إلاّ وألبسه رداء الفراق، وما من عابر سبيلٍ إلاّ وقد عمّق الحُفَرَ في طريقه حتى يكاد يختفي فيه نهرٌ بطوله وعرضه، وما من متفائلٍ إلاّ ونزع عنه تفاؤله كشعرةٍ انتُزعت من رأس جبلٍ، ولا… ماءٍ إلاّ وتشرَّدت قطراته.

بين الحين والحين، يسمح لنفسه في تفسير ما يعجز الآخرون عن تفسيره.
سُئِلَ ذات مرَّةٍ، متى تتوقف عن فضولك أو تمنحه إجازةً ولو ليومٍ أو نصف يوم؟ أجاب بصراحةٍ لم يعهدها أحدٌ من قبل: جمعتني المصادفة بفتاةٍ عجزتُ عن وصفها، وعجبتُ كلَّ العجب حين قالت: لا أُحبُّ فيك سوى سرعة بديهتك والتي يسمُّونها «فضولاً» ممّا دفعني للزواج بها!
ومن المعروف أنّ تلك الزوجة شحيحة الجمال ولا لون يستقرُّ عليها!!
أليس القبح جميلاً بين الغربان؟!
قبيل رحيله عن هذه الدُّنيا، التقيتهُ كخيطٍ في ثوبٍ، واهناً ضعيفاً في حالٍ لا يُحسدُ عليها، حتى قيل عنه بأنّه الميت الذي يرفض أن يموت، فقد حوصر بدهاليز المتاعب، بعد أن تورّط بهموم الآخرين ومشاغلهم، وما من قضيةٍ إلاّ وكان فيها شاهدٌ رسميٌّ، وصار وجهه مألوفاً أكثر من أبواب المحاكم ونوافذها. إلاّ من نافذة بيته التي كانت مفتوحةً بالأمس وسقط منها جثَّة هامدة، ليأتي من يقف بجانبها ويقول: حتّى الموت صار فضوليَّاً أيضاً.

سمير عوض

تصفح المزيد..
آخر الأخبار