العدد: 9466
الثلاثاء: 12-11-2019
سهير برهوم مخرجة مسرحية من اللاذقية، خريجة المعهد العالي للفنون المسرحية، ومديرة المسرح القومي بدمشق.
هي مثال نموذجي للمرأة السورية المثقفة برقي، ليس في مجال المسرح فقط، وإنما ثقافة الإنسان بجوانيته، محبّة لعملها، شقت طريقها بمثابرة وصبر، فعملت بداية كمخرجة مساعدة مع أسماء كبيرة كزيناتي قدسية، وأيمن زيدان، ونضال سيجري وغيرهم من مبدعي المسرح.
عشقت المسرح بكل تفاصيله ووجدته ملاذاً لتبوح فيه بكل التفاصيل بجرأة وصدق، من أعمالها:/ ليلة الوداع/ مونو دراما من تأليف جوان جان، /أما بعد/ من تأليفها وإخراجها، ومؤخراً /حياتكم الباقية/ من تأليفها وإخراجها أيضاً.
تؤسس المخرجة برهوم بأعمالها بداية لذاكرة مسرحية وبداية خط ريادي مسرحي مبدع.
عن المسرح وواقعه وأحواله كان لنا معها اللقاء التالي:
1 – كاختصاصيّة في المسرح، و مخرجة، و مديرة للمسرح القومي بـ دمشق، كيف ترين واقع المسرح السّوري اليوم ؟ هناك من يقول :إنّ واقعه مخجل و محزن، و هناك من يقول العكس، فبأي صفّ أنت ؟
أقول و بمنتهى الصّراحة و الحياديّة و الأمانة، إنّ المسرح اليوم بخير، رغم كلّ الرّياح العاتية ( و منها هذا الهجوم و الإجحاف بحقّ المسرح و المشتغلين فيه و القائمين عليه )، رغم كلّ ذلك إلّا أنّ المسرح و بفضل إصرار المسرحيين من فنّانين و فنّيين و إداريين، ظلّ واقفاً بشموخ، أمّا من يقول :إنّ واقع المسرح مخجل أو محزن فأعتقد أنّه من غير المتابعين للمسرح، و ليس على دراية بكمّ الأعمال الّتي تقدّم خلال السنّة أو الّتي قُدّمت خلال سنوات الحرب العصيبة، و هنا، لا بدّ من الاعتراف بأنّ هذا الكمّ لم يكن بالمجمل على سويّة واحدة، فهناك الأعمال الجيّدة جدّاً و هناك الأعمال المقبولة بالإضافة إلى الأعمال الّتي هي دون ذلك .. أمّا كحالة مسرحيّة نشطة، فأنا أعتبرها صحيّة و جيّدة، لكنّها لا ترقى لمستوى الحراك المسرحي بسبب غياب الحركة النّقديّة و النّدوات الّتي كانت تفرزها المهرجانات الّتي توقّفت خلال سنّي الحرب و الّتي كانت تفتح المجال للاضطلاع على تجارب الآخرين و تخلق نوعاً من المنافسة .
2 – أغلب المسرحيّات مأخوذة عن نصوص أجنبيّة يعالجها الدراماتورج لتناسب واقع مجتمعنا، ألا يوجد كتّاب ذوو أهليّة لكتابة نصّ مسرحي جديد ؟
تعلمين بالطّبع أنّه لدينا مكتبة مسرحيّة جيّدة لمجموعة من الأسماء الّلامعة في مجال الكتابة المسرحيّة كـ ( محمّد الماغوط، ممدوح عدوان، سعدالله ونّوس، وليد إخلاصي، فرحان بلبل، رياض عصمت، جوان جان، و غيرهم كثر ) عدا عن كون بعض المخرجين يتّجهون اليوم للكتابة بأنفسهم سواء لمسرح الكبار أو لمسرح الطّفل .. و لكن تبقى المسألة رهن رغبة المخرج و اختياراته، و ربّما يعتقد البعض أنّه باختياره للنّص الأجنبي ربّما يحقّق خطوة واسعة باتّجاه مزاج المتلقّي، و إن كنت أرى المسألة عكسيّة ..
3 – كثير من المسرحيّات حتّى المقتبسة و المأخوذة عن نصّ أجنبي متشابهة، فمثلاً أنا حضرت 4 مسرحيّات تدور حول شجارات زوجيّة، منها اعترافات زوجيّة، التباس، الكراسي، هدنة .. كلّها مسرحيّات ترتكز على شجارات زوجيّة و إن اختلف المضمون من الدّاخل قليلاً .
لا، في الواقع يختلف المضمون كثيراً، و لكن قبلاً، أليست الأسرة الّتي يكوّنها (امرأة و رجل أو زوج زوجة ) هي نواة المجتمع ؟ أليست خليّة تتأثّر و تؤثّر بمحيطها ؟ أليس كلّ ما تتعرّض له الأسرة ينسحب أو ينعكس على المجتمع ؟ لاحظي أنّ « اعترافات زوجيّة – للكاتب الفرنسي إيريك شميث و المخرج مأمون الخطيب » هي سبر لأغوار النّفس و كشف للمشاعر الدّفينة لدى كلا الطّرفين عرّتها لعبة الكذب . أمّا مسرحيّة « لا يأتي كلّ اللّصوص للمضرّة للمؤلّف الإيطالي داريوفو « أو» التباس » للمخرج سلمان شريبا فهي تسلّط الضّوء على موضوع السّلوكيّات الاجتماعيّة السّيئة كالكذب و السّرقة و الخيانة الزّوجيّة .. بأسلوب كوميدي . و أمّا مسرحيّة «الكراسي» لـ أوجين يونسكو الفرنسي، إخراج وليد صندقلي فهي تنتمي إلى مسرح العبث و مقولتها تصبّ في إطار عبثيّة الحياة و العزلة الّتي يعيشها الإنسان و محاولاته الوصول إلى فهم الغاية من وجوده في الحياة .
و أمّا « هدنة» لـ علي عبد النّبي الزّيدي، و إخراج هاشم غزال فهي تعكس تأثيرات الحرب في سوريا على النّاس بشكل عام و على الشّباب بشكل خاص كهذين الزّوجين اللّذين تفاجئهما أصوات الرّصاص تلعلع في ليلة زفافهما بدل أصوات الموسيقا، و تنقلب الأمور رأساً على عقب، و يسود الخوف و الهرب و ضبابيّة المستقبل فتذوب كلّ المشاعر الجميلة في خضمّ هذا الواقع المرير ما يخلق حالة الشّجار – و هنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ هذه المسرحيّة تتقاطع إلى حدّ كبير حتّى التّشابه مع مسرحيّة تحمل العنوان ذاته «هدنة» تمّ عرضها في 2015 و هي من تأليف عدنان أزروني و إخراج مأمون الخطيب – .
بالخلاصة ما أردت قوله هو أنّ المسرحيّات السّابقة أبطالها ثنائيّات من الأزواج حقّاً، و لكن يختلف الشّكل و المغزى و المقولات بين مسرحيّة و أخرى، و بالنّتيجة فإنّ الأمر ما هو إلّا انعكاس للواقع في ظلّ الوضع الرّاهن وهذه هي مهمّة الفنّ بمختلف جوانبه و أشكاله .
4 – نرى فرقاً مسرحيّة شابّة، و مخرجين شباباً يقومون بأعمال مسرحيّة، مع أنّهم فقط خاضعين لدورات بالأشهر، فهل ترين في ذلك ظاهرة صحيّة ؟
لاشكّ في أنّها ظاهرة صحيّة، ولا بدّ من تشجيع الشّباب الهواة و عشّاق المسرح، و لكن لا بدّ أيضاً من متابعتهم، واحتوائهم و الوقوف إلى جانبهم من خلال الإشراف على تجاربهم من قبل ذوي الخبرة قبل خروج هذه التّجارب للجمهور، و في الماضي، أي ما قبل الحرب كان اتّحاد شبيبة الثّورة يعنى بالهواة و يستقطبهم، و يقيم الدّورات التّدريبيّة لهم بإشراف فنّانين وأساتذة مختصّين و مخرجين مسرحيّين أكاديميين و ذوي خبرة، بالإضافة للمهرجانات في كلّ المحافظات و الّتي كانت تفرز عروضاً مسرحيّة مهمّة بتوقيع شباب هواة أثبتوا جدارتهم و هم الآن لهم حضورهم في السّاحة .. بالإضافة لاتّحاد الطّلبة الّذي كان يرعى المسرح الجامعي بإقامة المهرجانات السّنويّة . لكن تراجع دور الجهتين السّابقتين أغلق الأبواب في وجه الهواة إلى حدّ ما، و مع ذلك فإنّ مديريّة المسارح و الموسيقا اليوم تقدّم ( منح شبابيّة ) تشجيعاً للشّباب و لكن و بسبب التّواضع الشّديد الّذي خرجت به بعض التّجارب، كان لا بدّ من إعادة النّظر في موضوع المنح المقدّمة حيث أنّه و مع وجود دفعات من خرّيجي المعهد العالي للفنون المسرحيّة سنويّاً و الّذين هم أصحاب الحقّ أوّلاً في الاستفادة من فرص العمل المسرحي و اختبار أنفسهم بعد حصولهم على التّحصيل الأكاديمي، فقد أصبحت لهم الأولويّة .
5 – هناك تراجع لدور السينما بالقياس مع المسرح، فهل ترين السبب هو جمهور المسرح و عشّاقه، أم أنّ لذلك أسباباً أخرى برأيك ؟
سؤالك هذا يثبت أنّ المسرح بألف خير كما سبق لي أن قلت في بداية الحديث، دعيني أقول إنّها ( الحالة المسرحيّة)، نعم، هذه الحالة هي الّتي تجذب الجمهور، هذه العلاقة مع العرض المسرحي، و العلاقة المباشرة مع شخصيّات من لحم و دمّ تتحرّك أمامهم على الخشبة و تمدّ جسوراً وهميّة لا يدركها إلّا من خبر مشاهدة العروض المسرحيّة جيّداً، و لكن هذا لا ينفي سحر السّينما، أمّا عن تراجع دور السّينما فسببه بالدّرجة الأولى هو عزوف صالات السينما الّتي أغلقت أبوابها خلال السّنوات الماضية لأسباب تتعلّق بالحصار من جهة، وغلاء التّكاليف من جهة أخرى لجهة استقدام أفلام حديثة، و لا ننكر الدّور الكبير الّذي تلعبه مواقع الانترنت و الفضائيّات الّتي تقدّم أحدث الأفلام بسهولة و يسر و بالمجّان مع عزوف الجمهور عن ارتياد ما تبقّى من صالات سينما بسبب ارتفاع أسعار التّذاكر أيضاً ( بكلّ بساطة ) .
6 – كيف ترين واقع المسرح في اللاذقيّة، خاصّة أنّه كان لك مؤخّراً تجربة عرض فيها ( حياتكم الباقية )
لقد تمّ تأسيس المسرح القومي في اللاذقيّة منذ سنة 1997 بقرار من السيّدة الدّكتورة نجاح العطّار الّتي كانت على رأس وزارة الثّقافة آنذاك، و قد لعب الأستاذ الفنّان أسعد فضّة دوراً كبيراً في ذلك، و هذا ما نشّط دور المسرح أكثر ، بالإضافة لوجود بعض الفنّانين المسرحيّين ممن تخرّجوا في المعهد العالي للفنون المسرحيّة .
و هناك مجموعة من المخرجين البارزين مثل سلمان شريبا، ولؤي شانا ، حسين عبّاس، مجد أحمد، عبد الناصر مرقبي، هاشم غزال و غيرهم ممن يقدّمون أعمالاً مسرحيّة للكبار و الأطفال بين الحين و الآخر. فالحركة المسرحيّة في اللاذقيّة جيّدة كما أعلم، و لا نفترض أن تكون كلّ العروض بسويّة واحدة سواء عروض الكبار أو الأطفال، و لكن المهمّ أنّ تأتي كلّ تجربة متطوّرة أكثر عن سابقتها .
أمّا عن الجمهور، فهناك جمهور عريض في اللاذقيّة متابع و مهتمّ و عاشق للمسرح.
ورغم أنّني ابنة هذه المحافظة الجميلة و الغالية على قلبي، لكنّ لقائي الأوّل مع جمهور اللاذقيّة لم يحصل إلّا منذ أيّام كما تعلمين، حيث قدّمت و معي مجموعة من الفنّانين المسرحيّين الكبار عرضاً مسرحيّاً من تأليفي و إخراجي بعنوان (حياتكم الباقية ) على مسرح دار الأسد للثّقافة . لا أخفيك سرّاً، لقد فوجئت بهذا الجمهور الرّائع، بهذا الاهتمام و الشّغف الكبيرين من قبل النّاس على اختلاف مشاربهم و أتمنّى أن تتكرّر هذه اللقاءات بيننا في القادمات من الأيّام و الأعمال .
7 – برأيك هل يقدر المسرح على التّغيير، أم أنّ مهمّته التّرفيه و التّثقيف التّوعوي ؟
إذا اتّفقنا على أنّ التّغيير يبدأ بالفكر، إذاً فالمسرح قادر على التّغيير و لكن هذا ليس بالأمر الهيّن، ربّما يحتاج إلى مئات الأعمال ، تماماً كما يحتاج إلى مئات السّنين، فأصعب الّتغيير هو ذاك الّذي يدخل في تحدّ مع الفكر . و لكنّه قادر و لا ريب .
مهى الشريقي