العدد: 9464
الخميس:7-11-2019
لا أجد لي في هذا المساء الشتوي البارد المصحوب بالرعد والمطر رفيقاً يجالسني وحدتي، الوحدة هي التي أصبحت تشاركني الجلوس اليومي المتكرر في تلك الزاوية من غرفتي المطلة ليس على البحر أو بعض البيوت في القرى المجاورة بل تطل على نافذة الوحدة والانعزال، تطل على الهدوء المنسجم مع صوت الرعد والرياح الشمالية الباردة، تطل على تذكر السنين الجميلة الماضية التي رغم جمالها لا تنفع لشيء سوى التحسر عليها وعدم استطاعتنا نسيانها، تطل على الحزن المرتوي من عطش الفرح الوهمي.
الحادية عشر مساء اقتربت العاصفة في أول منخفض بارد يضرب الساحل وصوت أول هطول المطر ينعش النفس التواقة لتلك العيون الليلكية لذاك الحب الجميل الذي هو الآخر أصبح غريباً ضائعاً مشرداً بعيداً عن أمل اللقاء من جديد، أكتب هذه الكلمات أنتظر مرور الوقت ليس لأفعل ما أفعله كل يوم هو الكتابة بل لأشعر بالنعاس وأنام علني أستيقظ على فجر يوم جديد متحقق يغزر المطر أكثر فأكثر أحاول جاهداً أن أفكر بكتابة سطر يلي السطر المكتوب بجهد ضعيف، ليس هناك أفكار تعطي القارئ حق الذهول ومتابعة قراءة هذه الأسطر لا أعرف ما الذي يجعل العقل يتوقف عن التفكير والكتابة بشكل مستمر، هل انتهت الأفكار عن خلق أسطر تكفي لتكملة القصة أم أن المزاج متعب ومرهق من التفكير بكل شيء يحصل أمامك ومعك في حياتك اليومية أم البرد المتلحف بمطر المساء وهذه السمفونية الإلهية الجميلة تأخذك إلى عالم آخر غير العالم الذي تفكر وتعيش فيه.
على نافذة الوحدة والانعزال هذه حياتي وهنا في هذه الحارة الريفية الجبلية الهادئة والمنعزلة موجود أنا، لوحدي أسهر كل يوم، أكتب ما تبقى من روايتي التي ستأخذني يوماً ما إلى الأفق البعيد للأدب أنهي الفصل السادس منها وأبدأ بالفصل السابع، قويت العاصفة أكثر وانقطعت الكهرباء، فخط الكهرباء الواصل لحارتي ضعيف وسيء لا يتحمل الضغط المثقل عليه من المطر والرياح القوية والعتمة لوحدها تجعلك تجن لكني أجلس على ضوء المصباح يكفي تقريباً حتى تعود الكهرباء ولا أتوقع بعد هذه العاصفة أن تعود قبل صباح اليوم التالي.
المطر، أيها المطر الملتوي على حضن الشوق لدفء الروح، أيها المطر الهاطل من غيم الحنين على اشتياقي المتفجر من نبع الذكريات التي تأتي مع فصل الشتاء، أيها الصديق المنتظر على شرفات المساء الحالمة بأمل الخلاص.
اليوم الثاني وفي نفس الزاوية من غرفتي أجلس والصمت الرهيب يخيم على تفكيري المتعب من ثقل الحياة وأشغالها، الحادية عشر وخمسون وأربعون دقيقة من المساء الهادئ بعد انحسار عاصفة أمس وأيضاً الرياح الشمالية الباردة أو الصقيع الخفيف الذي تخلفه العاصفة وراءها، لا أعرف ماذا أكتب عنك حاولت كتابة قصيدة تليق بك وباسمك الجميل، تليق بهذا الاشتياق المتفجر كقنبلة نووية بسبب غيابك الدائم أو بالأحرى الغياب المفتعل من قبلك وعدم القدوم إلى هنا.
ما هذه الحياة التي أبعدتك عني، ما معنى كلمة حياة، ما معنى أن تحرمني الحياة منك وأنت جعلتها تتغلب عليك وجعلت منك امرأة نست عاشقها وتناست حبي لها وجعلتها تتغلب على القلب الذي لم يهوى غيرك، الحياة مجرد وهم مجرد مسرحية.
كيف لك بعد مرور هذه السنين أن تنسي من أنا، أن تتناسي حبي لك، أنت لست ببعيدة عني المسافة بيننا أقرب من أن يتصورها عقل ليست المسافة مسافة الطريق وعدد الكيلومترات بل المسافة بين عيني وعينك، بين قلبي وقلبك، المسافة بين روحينا وتفكيرنا واشتياقنا وحبنا الأبدي، حيث أن هذه المسافة تساوي عمراً طويلاً من الانتظار، أقول لك مالا يقال، أحكي لك ما لا يحكى، عن عدد المرات التي اشتقتك فيها، وتمنيتك فيها، وانتظرتك فيها، لن أعاتب نفسي على رحيلك، ولن أعاتب غيابك ونسيانك، بل أعاتب الحياة.
علي سليمان