وقـــــال البحــــــر …«قل أعوذ برب الفلق»

العــــــــــــــدد 9292

الخميـــــس 14 شـــباط 2019

 

في مدينة تنتمي إلى عالم الجن توقفت حافلةٌ يتوهج هيكلها كالصخر المصهور، وترجّل منها (فازان) محتضناً أسطوانة كبريت وقد بدت على وجهه معالم الهمّ والتعب، عيناه اللتان كانتا فيما مضى حمراوين كأنهما قطعتان من الجحيم أضحتا ذابلتين يغشاهما لونٌ بنيٌ صَدئ، وفمه الذي كان متوهجاً كفوهة البركان صار كمغارة سوداء مكسوة بالرماد، زملاؤه الجِنّ في الوظيفة اعتقدوا أنه مصاب بداء يرقان العفاريت، لكن طبيب المؤسسة التي يعمل فيها أكّدَ له بعد الفحص والتحاليل أنه يعاني من وهنٍ عابر نتيجة الضغط النفسي والأرق اللذين يلازمانه منذ فترةٍ ليست بالقصيرة، وقّعَ له إجازةً مرضية وأعطاه وصفةً من المقويات الفحمية ونصحه بالراحة والإكثار من شرب القارِ وعصير الزقوم.
وضع (فازان) أسطوانة كبريت الطبخ اللعينة على الأرض أمامه وأخذ يدحرجها بقدمه على رصيف الجمر المتوهج قاصداً شقته في آخر الشارع، تحسّس علبة المقويات في جيبه وأخذ يتحدث إلى نفسه: عجيب أمر الأطباء حين ينصحون بالراحةِ جنياً موظفاً كادحاً لديه ثلاثة عفاريت صغار ولا يكفيه راتبه أسبوعاً وحتى أحصل على أسطوانة ماء الطبخ اللعينة يتوجب عليّ الوقوف في طابورٍ يشبه في طوله طوابير معشر الإنس التي كانت جدتي تداعب مخيلتي الغضة بقصصهم عندما كنت عفريتاً صغيراً والمضحك المبكي تلك الوصفة السحرية عصير الزقوم الذي يكلفني الكأس الواحد منه ربعَ راتبي، فاتورة قارِ الصنبور على قلة مجيئه في منزلي بالكاد أستطيع دفعها وطبيب الجن في المؤسسة يطلب مني شرب عصير الزقوم!
وصل إلى البناء الذي تحتل فيه شقته الطابق السادس وأصيب بالصدمة التي قسمت ظهر التنين، التيار المغناطيسي مقطوع، هذا يعني أنه سيتحول من موظف كادح إلى عتّالٍ مناضل ما أن وصل إلى باب منزله حتى شعر أن النار تكاد تنطفئ في صدره، ولج إلى بيته يريد وضع الاسطوانة في المطبخ لكنه فوجئ بزوجته الجنية (ساروخة) تحمل مبخرةً تحتوي على مُهلٍ يغلي أخذت تدور بها في أرجاء المنزل متمتمةً: دستور يا أسيادنا . . دستووور . . قل أعوذ برب الفلق، قل أعوذ برب الفلق، وقف (فازان) مذهولاً غير مصدقٍ لما يرى، زوجته المثقفة التي تحمل إجازةً جامعية في علم فلسفة الجن المقارن تؤمن بوجود الإنس وخزعبلات مسّهم للجن وركوبهم للعفاريت؟! وتمارس طقس طرد أرواحهم الشريرة من المنزل؟! ضرب كفاً على كف وكأنه شعر بقدوم آخر الزمان ثم ولج إلى المطبخ وقام بتركيب أسطوانة الكبريت وغلى على الموقد إبريقاً من القار وحضّر لنفسه كأساً من متّة الجن قرقعه ريثما انتهت زوجته من طقوسها وبخورها فبادرها قائلاً: هل ستخبرين غداً طلابك في مدرسة العفاريت بأنك تمارسين طقوس طرد الإنس في منزلك يا مربية الأجيال؟ جلست إليه شارحةً: اليوم بعد الدوام قمت بحضور ندوةٍ في المركز الثقافي شارك فيها كلٌ من كاهن الجن الأعلى في المدينة ورئيس مركز الجنّ للدراسات الروحانية والغيبيات لقد سمعت يا زوجي عجباً، وكل ما سمعته موثق بالأدلة والدراسات الجدية، لا مجال للفزلكة والإنكار بعد اليوم، الإنس موجودون وخطر تأثيرهم في حياتنا أضحى داهماً، أعدادهم كبيرة وأسماؤهم غريبة، كبيرهم يدعى ترامب على رأسه عُرفٌ أصفر يستطيع بنظرةٍ واحدةٍ من عينه الزرقاء أن يسلب أبقار الجن حليبها الأسود ويعمل تحت إمرته إنسيٌ آخر اسمه أردوغان يستطيع أن يستولي على كحل الكبريت من جفن العين إذا تمكن، وفي خدمة الإنسي ترامب قبيلةٌ من الإنس يرتدون جلابيب بيضاء ويحملون مناشيراً ينشرون بها كل من يعارض أوامرهم… قل أعوذ برب الفلق، إن تمكن الإنس من دخول عالمنا سلبونا كبريتنا وقارنا وحليب أبقارنا وجعلوا أرضنا يباساً وضربوا في نفوسنا فتنةً إن كشفت عن ساقها قتل بعضنا بعضاً، جحظت عينا فازان وقام إلى إبريق القار وجعل يرش به أرجاء البيت متمتماً: قل أعوذ برب الفلق.

شروق ديب ضاهر

 

تصفح المزيد..
آخر الأخبار