العدد: 9462
الثلاثاء: 5-11-2019
في ظلم وظلام حاول أن يُسدل ستار ليلٍ على أرض الحضارة، بقيت هذه الأرض تُنْبت الروح العابقة بالحب والحياة، وبقي نبضٌ واحدٌ ووحيد للقلب تشير بوصلته إلى سورية، بلدٌ لمْ يعرف أبناؤه إلا الإيمان بالوطن والسلام كمرتجى لنا وللعالم ولأن النبض ما زال فتيّاً يعانق على جروحه الأمل، بقي العزم والإصرار عبر هذه السنوات على المسير إلى النهاية حاملين المشعل والقنديل، هذا القنديل الذي لمْ يخبُ يوماً ولنْ، ولهذا كان لبعض القناديل السورية احتفالات سنيّ-ها التي أثمرتْ وستثمر الانتصار.
في عامه الرابع احتفل (ملتقى القنديل الثقافي) بهذه المناسبة بحضور لفيف من الأدباء والفنانين والحضور المهتمين بإنارة شعلة من قنديل آخر يضاف إلى سنيّه الأربع التي تضمنت نشاطات تعددت وواكبت وامتزجت مع الحدث السوري، وجددت العهد لصون العقل وأرضه ما دام هذا الدم يجري في العروق من دماء متنوعة وأصيلة عانقت هذه الاحتفالية، كان اللقاء لملتقى القنديل الأخير في حديقة جامع الخلفاء الراشدين، فتمازجت الأرواح الصادحة في رؤاها نثراً وشعراً ومحاضرات، وكانت البداية بالوقوف دقيقة صمت على أرواح شهداء سورية الأبرار وتحية للجيش العربي السوري الذي مازال مرابطاً على حدود حربه مع الإرهاب ومازال يخوض آخر معاركه لإعادة سورية إلى ألقها المنير، وبحضور م. مصطفى مثبوت عضو قيادة فرع حزب البعث العربي الاشتراكي الذي تحدث مباركاً وموجهاً ومشرفاً مع حضور أعضاء مجلس المحافظة نضال ميكائيل، كفى كنعان، محسن تويتي، ثم كانت الكلمة لمؤسس الملتقى الباحث الأديب حيدر نعيسة الذي وجّه كلمة ترحيبية بالحضور، ثم تلتها كلمة للمهندس هيثم بيشاني رحب بالحضور قائلاً: عندما يزهو الربيع في تشرين، تورق البشرى، نعم، إنها لبشرى أن نستطيع إحياء الرميم من أحلامنا التي طالما سلمنا أنها – قرأت بيان وداعها الأخير- أن نعيد إحياء معلم ثقافي بحجم قنديل فإن ذلك ولا شك إيذاناً ببدء مرحلة جديدة حافلة بالنشاط والحيوية التي هي خط البداية لانطلاقة أيّ شعبٍ وأيّ أمة… ملتقى القنديل الثقافي في إشراقته الرابعة، حمل على عاتقه المهمة الجليلة في إماطة الأذى عن فكرٍ احترف فعل تناسل العفن! فامتشق الكلمة الحسناء، تزهو بشفيف بيانها ليبدو في هذه الأناقة وهذا الجمال وأحيا في الذاكرة مقولة المعري – أنا مُستطيع بغيري-، فكانت اليد الممدودة لإناء الملتقى عابرة لكل الاعتبارات، لنرى حزب البعث يصافح الجوا معالتي أبتْ أن تبقى حبيسة النمطية في أداء الطقوس ووضع خريطة لوطن الثقافة حدوده سياجات الورود المحيطة بمنتديات وملتقيات ما برحتْ تنثر عبيرها في سماءات الفكر والأدب والشعر وضروب الثقافة والفن والمعرفة فكان ضوع التكامل، وفي التكامل انسجام، وفي الانسجام جمال والجمال هاجس القصيدة، جميل أن ننجز، والأجمل أن نحتفي بهذا الإنجاز.
ثمّ ألقى م. بيشاني قصيدة شعرية إهداء للملتقى وإنجازاته وقدم بعدها بسام جبلاوي محاضرة قيمة وبتوسع كامل عن الثقافة ودورها في بناء ورقيّ الأمم قال في موجز ومقتطع فيها: إن أعظم ما تنطق به الألسن هو الكلمة، والكلام وجه العقل، لذا قيل في البدء كانت الكلمة، والكلمة هي الأبجدية الأولى للثقافة والثقافة كلمة واسعة المحتوى، كثيرة المعاني، قوية التأثير، كثيرة الاستعمال، عريضة القاعدة تشمل جميع طرائق الحياة التي طورها الإنسان بكافة مكوناتها ومقوماتها المادية والمعنوية، ثم قال في مقطع آخر: وإذا كان من الصعوبة بمكان وصف الثقافة إلا أنه يمكن القول: إن الثقافة لا تستهلك، فكلما استخدمناها زادت أملاكنا.
ثم حيّتْ لمى علي وقدمت لمحة عن (مشروع تمكين المرأة) وإحداث مركزين في المناطق كالدعتور والرمل الجنوبي والذي كان الهدف منه إقامة خدمات بمجموعة من الدورات لتمكين بعض السيدات في مختلف الاختصاصات، كما تم تجهيز فرق جوالة للمناطق الريفية، كله بغرض النهوض بواقع المرأة في جانب تعليمي وانتاجي يرقى بمستواها.
وللشعر كان له حضوره مع قصيدة للشاعر علي كامل طراف تحية منه إلى ملتقى القنديل قال في مقتطع منها:
حطّ النداء بمسمعي فإذا الصدى
يختارني عجلاً لهذا المنتدى
فمزجت بين تحيتي ومحبتي
ليصير لي يوم لقائكم ليَ موعدا
ما أجمل الدنيا إذا التقى النهى
وغدا اللقاء الحلو منبراً للهدى.
ومع المربية أحلام الرفاعي كان اللقاء بكلمتها لهذا الملتقى قالت في مقطع موجز فيها: القنديل… قنديل وطن، قنديل ثقافة، هذا يعني أن ملتقى هذا القنديل في ذكراه الرابعة بدأ بتفجير هذا الزمن الليلي من متصنعيه، يزرع الضوء وطناً وثقافة ولكن كيف؟!، القنديل هنا دروب الثقافة سيرجع نبض عمريت وأوغاريت، قاسيون وجبل الشيخ، فينيق وكنعان، قادش وأميسا، معبد بل وتل سنينة وأكثر، فكل ذرة تراب، كل حبة رملٍ من بلاد الشام تحكي مجداً حضارياً ثقافياً خلاقاً، وفي مقتطع من ختامها قالت الرفاعي: تعالوا أيها الأوفياء نُعَفر من ذلك التراب الذي مشى عليه الشهداء، نجعله في قوارير ذكريات لأجيالنا القادمة، نجعله قناديل تضيء أمامها دروب التاريخ.
وعاود الشعر أغانيه في هذا الملتقى مع الشاعرة وديعة درويش والشاعر حافظ شبيب، وتحت عنوان سورية عليك السلام كانت للكاتب غسان عبد الله محاضرة عن قيمة الثقافة ودورها الهام في بناء الأمم قال في موجز منها بعد تحيته للحاضرين ولملتقى القنديل: لقد أخذ الأدباء الموهوبون المدركون سموّ النظرة السورية إلى الحياة والكون والفن في هذا الملتقى الكريم يسخّرون الكنوز الروحية الثمينة لإنشاء أدب كبير فخم وتاريخ متجدد ويبنون قصوراً من الحب والحكمة والأمل والجمال بمواد أمتنا وفلسفاتها وأساطيرها وتعاليمها، ويقول عبد الله في مقطع آخر: نحن نريد مصالحنا لأننا نريد حياتنا والإرادة قدر المصلحة، وكلما كانت المصلحة أساسية دائمة، كانت الإرادة كذلك، ولذلك يجب تحكيم العقل في المعرفة والسلوك، فالتاريخ لا يسجل الأماني ولا النيات بل الأفعال والوقائع ولا أحد يتوهّم بأن الأماني بدون عمل ستحقق نهضتنا الثقافية، وسوف تتحقق بثقة القوم بأنفسهم واعتماد الأمة على نفسها واعتماد الأمة على قوة السواعد والقلوب والأدمغة وتحقيق رسالتنا لننهض بأمتنا ونستحق بجدارة أن نكون ممن شرفهم انتماؤهم إلى هذه الأرض المباركة سورية، وتابع الشعر قصيدة تعانق القصيدة ليلقي الكاتب أديب عباد قصيدته، ومن ثم ألقت المربية الشاعرة سارة خيربيك قصيدة شعرية تقول في مقطع من ختامها:
يا عربان… لنْ أنسى خيانتكم
وعمق جراح مديتكم …عمالتكم
أنا نارٌ… أنا قدرٌ… أنا بارود
أنا غضب سأكويكم …سأحرقكم
يمين الله أقسمت… وسيف الحق أشهرت… سأطردكم…
سأطردكم… وأغسل رجس حافركم…
وتابع الشعر بحوره في فضاءاته ليكون مع الشاعرة رنا محمود وللشعر المحكي محضر وحضور مع الشاعر القادم من الرقة حسين النهار ومجموعة من القصائد باللغة المحكية حكت عن حالنا وحال سورية بإبائها وصمودها، وكان الختام بشكر الحضور والأماني لسورية ولشعبها بالسلام والأمان الذي تستحقه معاهدين الوطن على المضي على نفس المنهج والدرب الذي لا يوصل إلى العقل، هذا العقل الذي لا يملؤه إلا الحبّ والحبّ فقط .
سلمى حلوم