العدد: 9460
الأحد: 3-11-2019
هي الأيّام بحلوها وأحلاها، وهي الذّكريات التي أعطتْ للأيّام أساميها وعناوينها التي أضحتْ تُعرف بها وأصبحتْ لها وَسْماً وَرَسْماً، بل أصبحتْ على صدورنا الوسام الذي نتزيّن به في ليالٍ من الحُبِّ أضحتْ مقفراتٍ، لتلك الأيّام التي تأبّى أنْ تغادرَني أو تفارقَني أقول: وهل أجمل مِنْ أنْ يحيا المرء على حلاوة أيّامٍ مضَتْ ولمْ تزل حاضرةً في ذاكرتنا حضور الشّمس في سمائنا، حضور العطر المرافق للزّهر في ربيعه، آهٍ منكِ أيّتها الذّاكرة التي تأخذُني مِنْ يومي إلى أيّامي التي ما زالتْ تهزمني على الدّوام وفي كلّ مُنازلة أو مُقارعة لترفعَ رايةَ النّصر خفّاقةً مُرفرفةً على جبيني الذي تجعّد وسطّرته السّنون لتكتبَ على صفحته التي ربّما لنْ تتسعَ ليُكتبَ تاريخ الحياة بأكمله عبر أسطرٍ قليلة إلاّ إذا أرادتْ أنْ تختصرَ نفسَها لتكون العنوان الذي يفتح أبواباً لا حصرَ لها، وتترك للذاكرة المشلوحة خلف النّوافذ المفتوحة للحبِّ وحكاياتِهِ.
وكم جميل أنْ يعود الإنسان بنفسه إلى نفسه التي غادرته من سنين أو ما أجمل أنْ تأخذنا السّنون إليها لنحياها كما كُنّا حين كانت بنا وكُنّا بها ونحنُ نرسم مستقبلنا الذي سنعيش عليه حين نحتاجه أنْ يُعيدَنا إلى ماضينا وكأنّها مؤونةُ الشتاءات القاسية التي هبّتْ رياحُها فأخذتْ ما أخذتْ بعد أنْ تبعثرتْ أوراق حياتنا على طرقات الخريف المنسيّة والمأخوذة إلى دروب مجهولة وربّما كانت مَخفيّة، فيا سيّدتي التي جعلتني أكثر إيماناً بأنّ الحبّ عبادة وأنّ الحياة بقرب الحبيب طقس من طقوس الخلود والأبديّة، ويا سيّدتي التي صارت عنوان السّهر في ليالٍ يبيساتٍ إلاّ من صورتها التي تندّي الليل فينفتق صبحٌ يجيء بصوتها كما يطنُّ النّحل في أذن الزّهرة ، تنّسلّينَ إلى قلبي كما الخيط الأبيض من الأسود ولا أدري متى جئْتِ ومتى لم تكوني؟ وأنا الموقنُ أنّك لم تغادري لا عيناً تشتاق إليك ولا قلباً ينبض إلاّ بك ، وهل للعين أنْ تشتاق لمن سَكنَ فيها وجعلها مُستقرّاً ومَراحاً ؟! أيا دمعيَ المِهطالَ الذي أبى إلاّ أنْ يَرويَ عارضيَّ بمائه الذي زاد جرح السّنين بملحه حزناً وإيلاماً على ما أنا الآن فيه من أيّام أقتاتُها وألوكُها كما طفلٌ يلوكُ الفراغ ، وكما الرّيح تتزوبع وتتكوّر على نفسها ، ريحٌ تُصارع بعضَها ببعضِها ، وأفرُّ أمامها هارباً نحو ذاكرتي التي تطاردُني …
نعيم علي ميّا