العدد: 9460
الأحد: 3-11-2019
جلس في مقهىًّ يبدو مثل جزيرةٍ متمَّردةٍ، لِتَدَاخُلِ أطراف هذا المقهى بساحة المدينة الرّئيسة.
أخذ يمدُّ بنظراته، نحو المارَّة، فجذبته خطوات تلك الطَّالبة وهي تحمل كتبها المنسجمة مع ملابسها وخطواتها، تمنى لو يسألها عن كُليِّتها التي تدرس؟!
يلتفتُ ليجدَ متسوِّلاً لا يكفُّ عن السٌّؤال ويده ممدودةٌ كالسَّهم!
قلَّةٌ قليلةٌ تعطيه، لكنّ أُعطياتٍ في نصف ساعةٍ، كانت كفيلةٌ لتحقيق أمنيات يومه بالكامل!!
بعض الجالسين في المقهى صدمهم الازدحام، فراحوا يمارسون الصّمت بأوراق اللّعب.
ها هي مشاجرةٌ تنفجر فيها الأصوات، لكنَّها تنفضُّ قبل أن تشتعل، وكأنَّها فقرةٌ تدريبيةٌ لاختبار الحيويّة.
تلميذان هاربان من شيءٍ ما، وفي أيديهما ما يشغلهما، فينسى أحدهما خطواته، ليقع على الأرض كغصنٍ تكسَّر من شجرةٍ، ثمَّ ما لبث أن أطلق ضحكةً كالبكاءِ ومضى إلى أملٍ جديدٍ.
على مقربة من المقهى أشخاصٌ أبطأت الهواتف النَّقَّالة خطواتهم، وبالكاد يخرج رنينها، فحواس السَّمع لديهم أسرع، وأغلبهم في إصغاء تام، يتناغم مع حركة أجسادهم!
رجل وامرأة بأناقة القرن الماضي وقد أتعبهم تقدّم العمر ، ألقيا بنفسيهما مع الصّور والتّقارير الطبية وأكياس الدّواء على أوّل ركن في المقهى وثمّ أكملا حوارهما عن الجولة الصحيّة التي أنهياها بنجاح يستحق الاستراحة وارتشاف ما يمكن ارتشافه .
يقطع المشهد فتاة جريئة يلاحقها الضّوء وترافقها الألوان ، لتصطدم بباقة ورد يحملها شاب بدت عليه ملامح مئة طالب تلقّوا نجاحهم للتوّ، أمّا هي فقد أعلنت الربيع على الفصول كلها بذلك اللقاء.
معظم الذين على عجلة من أمرهم، هم مصلو الجامع القريب من السّاحة، أمّا ما سحو الأحذية تحت الشجرة الكبيرة ، فيعرفون أسماء المصلين من احذيتهم .
بقي المركز الصحي الذي يستقبل ويودع روّاده برفرفة طائر جناحاه لا يتعبان من التّحليق، على نقيض الشّارع المجاور للسّاحة ، فالسيّارات فيه تكاد تلتهم بعص بها، وأكثر الذّين بداخلها يطلقون كلمات يكاد يغصّبها الهواء ويختنق!
ما زال المكان يعجّ بالمارّة، وكلّ واحد منهم يرى في نفسه نصف العالم، وإنْ فتح عينيه أكثر، لن يَجد سوى زيادة التأكيد على هيئته وصورته؟!
قبل أنْ ينهض صاحبنا من جلسته المطَّولة تلك، شعرَ بأنَّ وجوده لا يهمّ ولا يترك اهتماماً، وأن سنوات عمره الَّتي مضتْ، عليه أنْ يمضي معها وبرفقة هذين المعمرين وقد لملما أكياس الدٌّواء على أهمية المغادرة.
سمير عوض