حرائــــق

العدد: 9451

الاثنين: 21-10-2019

 

لم تدم لحظات الطفولة طويلاً، كانت أقصر زمناً مما توقعت، أقل تخففاً وتحليقاً مما حلمت، أكثر حزناً مما تخيلت.

راهنت أنه لم يكن مستحيلاً أن أنسى ولو لوقت قصير كل ما مرّ من إحباط وانكسار لأعود طفلة بست سنوات.
لم يكن ذلك ممكناً بعد أن أكلت الحرائق في جبال بلادي الأخضر واليابس.
نيران تشتعل، فرق إطفاء في كل مكان، تنطفئ في منطقة لتشتعل في منطقة أخرى ثم أخرى في أكثر من مكان، رجال إطفاء يستشهدون وهم يستبسلون في إخماد الحرائق، الشريط الأخضر يتحول تدريجياً لشريط موت.
الأهالي يتعاونون لمساندة فرق الإطفاء فيتجمعون ويتوزعون لمجموعات تعمل تحت أمرة الدفاع المدني، ونحن من نشرة أخبار الكترونية إلى أخرى، نراقب بذهول ما يجري غير مصدقين، الرياح الشرقية الجافة ساعدت النيران على التوسع أكثر، حتى الطبيعة أحياناً تقف في وجه السوري الفقير.
من ذاك المستهتر الذي يتجرأ على رمي عقب سيجارة أمام شجرة، من الذي يقامر بمستقبل أبنائه ويحرق شجرة عمداً لأي سبب كان.
تخنقني رائحة الحريق التي بدأت تعلق بثيابنا المنشورة على الشرفة، هل حقاً وصلت للبيوت أم أن رائحة شيء ما بداخلي يحترق؟
وأستفيق من ذهولي على خبر أن رجال الإطفاء سيطروا على النيران وبدؤوا بإخمادها، بدأت صلواتنا تصل للسماء فبدأت الأمطار بالهطول لتساعد الإطفاء للحد من الكارثة التي كانت على وشك الحدوث.
الشريط الأخضر ينطفئ في الساحل ويظهر اللون الأسود المحروق، رائحة الدخان تختفي تدريجياً من المكان، انتهينا من كابوس الحرائق لنستفيق على كابوس الحيوانات المفترسة الهاربة من الحرائق.
اليوم بعد أن انطفأت نيران قلب أتذكر الدقائق والثواني والأيام العصيبة التي عشناها فتجلدني بكل تفاصيلها، وأفكر: من أنا بين هذا الكم الهائل من النار والدخان والموت والخوف؟
أنا التي سترد ولو جزء بسيط من فضل أمنا الأرض علينا، الأرض المحروقة تنتظر أيادينا الخيرة للقيام بحملات تشجير واسعة لإعادة الجبال كما كانت.
ولحمايتها مجدداً من الاشتعال من الضروري الانتباه والتقيد بتعليمات السلامة العامة وأهمها عدم رمي أعقاب السجائر المشتعلة في الغابات، التأكد من إطفاء النار في المسير والرحلات، إشعار نار صغيرة بعيدة عن الشجر عند الضرورة وإحاطتها بالأحجار لمنعها من التوسع وحصرها في هذا المكان والتأكد من إطفاءها جيداً قبل مغادرة المكان.
ألف تحية وشكر لفوج الإطفاء ولكل من تعاون معه في إخماد الحرائق وإعادة الاستقرار للمنطقة، والرحمة لأرواح شهداء فوج الإطفاء وشهداء سورية جميعاً.

رنا محمد

تصفح المزيد..
آخر الأخبار