العدد: 9451
الاثنين: 21-10-2019
يحمل كل من الصديقين طارق وسليم هاتفه الخاص، وعلى الرغم من تلاصق غرفتيهما إلا أنهما لا يتواصلان إلا عبر الموبايل، وإذا كان أحدهما يريد سؤال الآخر عن شيء فهو لا يطرق بابه بل يطرق (موبايله)!.
صحيح أن العالم بات قرية كونية ونتمتع اليوم بسهولة التواصل مع بعضنا بعضاً ولكن من المؤكد أن البشر باتوا أكثر خصوصية من السابق فبدلاً من أن يوجد في المنزل هاتف واحد مشترك لجميع أفراد العائلة أصبح لكل فرد هاتفه الخاص وإن تجرأ أحد على المسّ بهاتف غيره سمع كلاماً لا يرضيه فلقد أصبح الهاتف المحمول بمثابة الهوية الخاصة لكل من يحمله يخزن فيه ذاكرته وخططه اليومية.
وهذه (الفردانية) التي تبرز بشكل كبير في مجتمعاتنا اليوم حولته من مجتمع جماعي إلى فردي تبرز فيه (الأنا) بشكل كبير وبناء على هذه الأنا يتخذ كل قراراته فبات لكل منا أسلوب حياة خاصاً به بعيداً عن الجماعة والسوق تشجع على هذه (الفردانية) إذ بدلاً من أن تبيع هاتفاً واحداً للعائلة مثلاً صارت تبيع كل فرد هاتفاً أو أكثر أما بالنسبة إلى الفرد، فالحصول على أي شيء مصمم خصيصاً له يمنحه الشعور بالتفرد ونوعاً من الحرية.
والأشياء التي تميزنا عن الآخرين تمنحنا الشعور بالطمأنينة وبنوع من الحرية عبر انتقالنا إلى عالمنا الخاص الذي نصنعه بأنفسنا حيث نرفض أن نتشارك مع الآخرين في ما نملك ونحمل.
ولكن هذه (الفردانية) يمكن أن تكون سلبية في كثير من الأحيان، فرؤية العالم من خلال نظرة شخصية وفردية لا تعني أن الفرد يركز على نفسه فحسب لأن (الفردانية) السلبية تؤدي إلى الوحدة.
لكن تجدر الإشارة إلى أن هذا الشخص نفسه لا يكتفي بأن يكون فريداً في نظر نفسه بل يسعى إلى التفرد بعيون الآخرين أيضاً، والدليل على ذلك هو اختيار الرنة الخاصة بالهاتف مثلاً، وهذه الرنة لا يستمع إليها الشخص وحده فحسب بل يختارها أيضاً كي يستمع إليها الآخرون ويعرفون أنها رنته الخاصة وهذا ما يمنحه شعور بأنه موجود.
ولذلك نرى اليوم أن المسافات البعيدة باتت قريبة وأصبحنا قادرين على التواصل مع أي كان في أي لحظة وفي أي مكان من العالم.
ولكن إذا نظرنا إلى الوقت الذي نمضيه في الحوار والحديث والمناقشة مع من حولنا وطرق التواصل مع من نحب نجد أننا من النادر أن نجلس جلسات طويلة نتبادل فيها الحوار والمناقشة من دون أن ينقطع الحديث عشرات المرات حين يرن الهاتف ما يوحي بـ(أننا في انشغال دائم) مع العلم أن الجالسين ليسوا سوى مجموعة العاطلين عن العمل.
لمي معروف